تنمية قطاع التعليم الجامعي في الصين

الكاتب : د. نادية حلمي الخميس 08 نوفمبر 2012 الساعة 04:09 مساءً

 

 

تلعب الجامعات الصينية دوراً كبيراً في دعم عجلة التطور الحضاري و العلمي والصناعي في الصين، إذ تعتمد الحكومة الصينية على المراكز البحثية في الجامعات الصينية والتي يقودها كادر متخصص من الأكاديميين في شتى مجالات المعرفة.

   وكان أحد البنود الهامة لإصلاح التعليم العالي الذي بدأ تنفيذه في عام 2001 هو تعديل هياكل الفروع العلمية. لذا أضافت وزارة التربية والتعليم 1993 نقطة تخصصية جديدة في 503 جامعات ومعاهد عليا في البلاد كلها، كما شرعت هذه النقاط التخصصية في تقبل طلبة جدد، بحيث بدأ يتحسن هيكل توزيع التخصصات بين المناطق المختلفة. ومن أجل تغيير الوضع المتمثل في نقص الجامعات النظامية في بعض المدن الهامة، وافقت وزارة التربية والتعليم على إنشاء مجموعة من الجامعات النظامية والمعاهد المتخصصة في هذه المدن.

    وفي نفس العام، اتخذت وزارة التربية والتعليم في الصين عدة إجراءات لتحسين جودة التعليم فيها، بما فيها إصلاح نظام الامتحانات. كما سعت الوزارة وراء تغيير نمط "الاستظهار الآلي" في امتحان القبول الجامعي، وهو النظام الذي كان يقوم على اختبار قدرات الطلبة الصينيين على الحفظ واسترجاع المعلومات دون الفهم، وتركيز مضمون الامتحانات بصورة أكثر على مستويات الطلبة الشاملة وقدرتهم.

   وبشكل عام، ينقسم التعليم العالي في الصين إلى التعليم الاختصاصي (المهني) والتعليم النظامي العادي، والتعليم لطلاب الماجستير والتعليم لطلاب الدكتوراه. كما توجد عدة أنواع من الجامعات، منها جامعات عادية ومدارس مهنية على مستوى عال، وجامعات الإذاعة والتلفزيون وجامعات للبالغين. 

 

   ويرجع تاريخ التعليم العالي الصيني إلى ما قبل مائة سنة. وأفادت أحدث الإحصاءات أنه توجد في الصين حالياً ثلاثة آلاف جامعة، وثلثها جامعات خاصة، والباقي حكومية. ويبلغ عدد الجامعيين 20 مليوناً، ويبلغ معدل التحاق الطلاب بالجامعات حوالي 17%.

 

   وفى الصين، يجب على الطلاب أن يشاركوا في امتحانات عامة قبل التحاقهم بالجامعات. وتحدد وزارة التعليم الصينية أو الدوائر التعليمية على مستوى المقاطعة مواضيع الامتحانات وتقر الحد الأدنى للقبول وفقاً لنتائج الامتحانات. وتشكل الجامعات الحكومية قوام الجامعات في الصين، ويلتحق الطلاب بالجامعات الخاصة أو جامعات الإذاعة والتلفزيون أو جامعات البالغين كل من يفشل في الامتحانات العامة أو من كان موظفاً يريد متابعة الدراسة.

 

   وخلال السنوات الأخيرة، بذلت الدوائر التعليمية الصينية جهوداً مضنية لتطوير التعليم العالي، وزادت نسبة قبول الجامعات الحكومية للطلاب، كما شهد تعليم الدراسات العليا تطوراً كبيراً أيضاً.

 

   وتنفق الصين حالياً حوالي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني (الذي أصبح حالياً ثاني أعلى ناتج محلي إجمالي في العالم بعد الولايات المتحدة)، إلى الحد الذي دفع "ريتشارد ليفين" Richard Levin مدير جامعة ييل الأمريكية إلى التصريح بأن أفضل الجامعات الصينية سوف تنافس في المستقبل القريب جامعتي وأكسفورد وكامبريدج، وهما أفضل الجامعات البريطانية والعالمية. وأشار إلى أن الصين تنفق مليارات اليوانات لدفع أفضل مؤسساتها التعليمية إلى التحول إلى قائمة العشرة الأفضل في العالم، وذاك في غضون 25 عاماً. 

 

    وحتى هذه اللحظة تعتبر جامعة Tsinghua كأفضل جامعة صينية، حيث تحتل المركز الـ 49 عالمياً وفقاً لتقارير وإحصائيات حديثة، في الوقت الذي تتصدر حالياً الجامعات البريطانية قائمة أفضل عشر جامعات في العالم، حيث تحتل جامعة كامبريدج المركز الثاني بعد هارفارد، غير أن الحكومة الصينية تفق بسخاء على نظامها التعليمي الجامعي بهدف رفع مستويات تلك المؤسسات التعليمية لتحتل المراكز الأولى عالمياً. إلا أنه مما لا شك فيه أن الصين قادرة على تحقيق هذا الهدف أخذاً في الاعتبار الاحتياطيات المالية الضخمة التي تتمتع بها الحكومة الصينية. حيث تنبغي الإشارة إلى أن مستوى أي جامعة في العالم يعتمد على حجم الموارد المالية المخصصة لها.

 

    كما تسعى الصين نحو توسيع نطاق نظمها التعليمية في الجامعات والتركيز على رفع مجموعة محددة من الجامعات لكي تحتل المراكز الرائدة على المستوى العالمي، مع الأخذ في الاعتبار أن الصين قد تمكنت من إنشاء أضخم نظام تعليمي جامعي في العالم، وبذلك، فإن فرص نجاح الصين في الوصول إلى هذا الهدف تعد مرتفعة للغاية. فقد تمكنت الصين من مضاعفة عدد جامعاتها من 1022 جامعة إلى 2263 جامعة في العشر سنوات الماضية، والتي تستوعب حالياً حوالي 6 مليون طالباً جامعياً، وذلك مقارنة بمليون طالباً فقط في عام 1997، وهو بكل المقاييس تطور جبار، حيث أصبحت الصين تملك حالياً أكبر طاقة استيعاب في مجال التعليم الجامعي في العالم. 

 

   من ناحية أخرى، ينبغي الإشارة إلى أن هناك ظاهرة تحدث حالياً في جامعات العالم، حيث يترك عدد كبير من الأساتذة الصينيين وظائفهم في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ويعودون للتدريس في الصين، وهو تطور هام جداً بالنسبة للجامعات الصينية. غير أن هناك  نقطة هامة جدا أغفلتها دوماً الحكومة الصينية، وهي أن الجامعات الصينية تفتقر إلى "التنوع الإثني"، حيث لا يوجد أساتذة وافدين في الجامعات الصينية، مثلما هو الحال في أمريكا، وكذلك تفتقر إلى بعد التداخل بين التخصصات العلمية multidisciplinary والذي يلعب دوراً هاماً في تقدم العلوم. من ناحية أخرى فإن الصين في حاجة إلى زراعة مهارات "التفكير الناقد Critical Thinking" والإبداع في برامجها التعليمية، والابتعاد عن تلك البرامج القائمة على الحفظ فقط، وتجنب الاتجاه الحالي بتوفير المنح البحثية للأساتذة الذين يرضى عنهم النظام الشيوعي الحاكم في البلاد. فالتعليم الأفضل في أي دولة في العالم لا بد وأن ينعكس في صورة مواطنين يتمتعون بإنتاجية أكثر. 

 

   كما يعتبر نظام القروض التعليمية المقدمة من الحكومة الصينية واحداً من السبل الهامة لحل مشكلة الطلبة الفقراء في مواصلة الدراسة حالياً في الصين. وقد تأسس هذا النظام عام 1999، وقد تشكلت الآن في الصين منظومة سياسية كاملة للتمويل. وبموجب هذا النظام، يمكن للطالب الفقير أن يحصل على ما يعادل الرسوم الدراسية ونفقات المعيشة الأساسية من قرض ائتماني بدون ضمان بواسطة شهادة هويته فقط، وفي نفس الوقت، يتمتع بامتياز من الخزانة الحكومية بنسبة 50٪. وعموماً، يمكن للطالب أن يحصل على قرض بمبلغ حوالي 8000 يوان سنوياً. وفي العادة، لا تتجاوز مدة سداد القرض 8 سنوات.

 

 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي