البعد البيئى فى اتفاقات منظمة التجارة العالمية

الكاتب : د.هشام بشير الأربعاء 26 سبتمبر 2012 الساعة 04:39 مساءً

البعد البيئى فى اتفاقات منظمة التجارة العالمية

 

أصبحت قضية حماية البيئة من مخاطر التلوث واستنزاف ثروتها بالاستغلال المفرط للموارد الطبيعية من بين أهم القضايا والمشكلات التي فرضت نفسها وحظيت باهتمام واسع على كافة الأصعدة والمستويات.

  واتضح هذا الاهتمام العالمي بموضوع حماية البيئة من أخطار التلوث من خلال إصدار التشريعات الداخلية فى معظم دول العالم وعقد المؤتمرات وإبرام الاتفاقات الدولية والإقليمية مع تكثيف طرح القضايا البيئية على كافة الأصعدة والمستويات الدولية والإقليمية والمحلية .

 

ومما لا شك فيه ان قضية حماية البيئة بعد تحرير التجارة الدولية تمثل الآن واحدة من الموضوعات الحيوية التي تنال قسطا كبيرا من الاهتمام الدولي فى الوقت الراهن، وذلك بعد ان تم إدراج المعايير البيئية كأحد العناصر المستخدمة لتقييد حرية حركة التجارة العالمية، خاصة صادرات دول العالم الثالث التى تعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام والصناعات ذات التكنولوجيا المنخفضة والتى لا تعطى اهتماما كبيرا بالبعد البيئى.

 

 

 

وإذا كانت الاتفاقات المتعلقة بتحرير التجارة الدولية بدءا من الجات عام 1947 وانتهاء بإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1994تهدف بالأساس الى تحرير التجارة العالمية، ، إلا إنها لم تغفل بشكل مطلق حماية البيئة، فمنذ أواخر الثمانينات وهناك اهتمام كبير بموضوعات العلاقة بين البيئة وحرية حركة التجارة العالمية من قبل العديد من دول العالم، وقد أثير الاهتمام بهذا الموضوع بشكل واضح وصريح خلال المفاوضات التجارية المتعلقة بانشاء منظمة التجارة العالمية.

 

وفى اجتماع مراكش بالمغرب 1994 والذي عقد في ختام جولة أورجواي لاتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف،وافقت الدول الأعضاء في هذا الاجتماع على تأسيس لجنة للتجارة والبيئة تعمل في إطار منظمة التجارة العالمية وذلك لتقديم اقتراحات بشأن التنمية المستدامة ومناقشة العلاقة بين التجارة والبيئة.

 

 

 

ولاشك انه على الرغم من أهمية دور منظمة التجارة العالمية في تحرير التجارة الدولية وفتح الأسواق بما سيعود بالمنافع الاقتصادية على العديد من دول العالم، إلا انه إذا لم يصاحب ذلك حماية كافية للبيئة، فانه سوف يعود بأشد الضرر على مستقبل حياة الإنسان على كوكب الأرض وخاصة فى ظل الزيادة الكبيرة في معدلات التلوث البيئي في كل دول العالم دونما استثناء،ولهذا فقد تصاعد الجدل حول الاهتمام العالمي بالبيئة ويتضح ذلك فى تحذير أنصار حماية البيئة من خطورة الاتجاهات المتزايدة نحو تحرير التجارة العالمية دون الأخذ في الاعتبار قضية حماية البيئة،وعلى الجانب الأخر فقد شدد أنصار حرية التجارة على خطورة فرض القيود التجارية على حرية التجارة العالمية بدعوى حماية البيئة، وكل ذلك مما يجعل من تناولنا لحماية البيئة في ظل منظمة التجارة العالمية  موضوعا جديرا بالاهتمام في الوقت الراهن.

 

 

 

التطور التاريخى لمعالجة موضوع التجارة والبيئة فى الجات و منظمة التجارة العالمية:

 

 جاءت الاشارة الوحيدة وغير المباشرة المتعلقة بالبيئة فى الجات 1947 فى المادة العشرين وهى مادة الاستسنئات ، والتى تسمح بوضع قيود تجارية لحماية الانسان والحيوان والحياة النباتية والصحة ولحماية الموارد الطبيعية القابلة للنفاذ بشرط عدم التمييز فى استخدامها ، وألا تكون وسيلة حمائية، وهذا مع العلم ان اتفاقية الجات لم تذكر مصطلح البيئة بشكل صريح فى المادة 20 وهى مادة الاستسنئات كما سبق وان ذكرت.

 

 

 

وفى اوائل السبعينات تم اثارة موضوع البيئة مرة اخرى داخل الجات ، حيث طلب سكرتير عام اللجنة التحضيرية لمؤتمر الامم المتحدة للبيئة الذى عقد فى استكهولوم 1972 من سكرتارية الجات تقديم خبرتها ومشاركتها فى أعمال المؤتمر المذكور، وقد عرض الأمر على مجلس الجات الذى وافق على تشكيل مجموعة عمل لبحث موضوع للاجراءات البيئية والتجارة الدولية للتحكم فى التلوث وحماية البيئة الانسانية ، إلا أن هذه المجموعة لم تمارس نشاط حقيقى منذ تشكيلها.

 

 

 

وبعد حوالى عشرين عاما من انشاء مجموعة عمل البيئة فى اطار الجات ، وفى خلال الاجتماع الوزاري الذى عقد  ببروكسل فى ديسمبر 1990، تقدمت مجموعة دول الأفتا الاوروبية بمشروع قرار يعرض على الوزراء خلال اجتماعهم لإنهاء أعمال جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية يقضى بإعادة نشاط مجموعة العمل الخاصة بالبيئة، حيث أوضحت فى بيانها حينئذ أن تطورات الاهتمام الدولي بموضوع البيئة تقتضى عملاً فعالاً فى إطار اتفاقية الجات، إلا أن ظروف فشل اجتماع بروكسل وعدم إمكان التوصل إلى اتفاق فى الموضوعات الأصلية التى دعي إليها، لم يعرض مشروع القرار المشار إليه، ولم يتخذ قرار بشأنه.

 

 

 

وخلال اجتماع الأطراف المتعاقدة بالجات فى الاول من يناير 1991، أعادت دول الأفتا طرح الموضوع، حيث تأجل اتخاذ قرار فيه حتى اجتـماع مجلس الجات فى مايو 1991 والذى قرر أن تبدأ مناقشات مفتوحة داخل مجلس الجات لمساعدته فى اتخاذ قرار حول كيفية معالجة موضوع علاقة البيئة والتجارة الدولية فى إطار الجات.

 

 

 

ثم عقدت عدة اجتماعات غير رسمية لبحث كيفية تشكيل مجموعة العمل وحدود اختصاصها فى بحث الموضوع وبرنامج عملها، وقد تناولت المناقشات أيضاً مساهمة الجات فى أعمال مؤتمر قمة البيئة والتنمية فى ريو دي جانيرو حيث كانت اتجاهات المناقشات على النحو الاتى فقد تحمست دول الأفتا بدفع الموضوع للمناقشة واتخاذ قرارات أعدتها من قبل بإحياء أعمال مجموعة عمل التجارة والبيئة لتكون جاهزة كتوصيات الأطراف المتعاقدة بالجات لتعرض على مؤتمر القمة بريو دي جانيرو.بينما اتسم موقف المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة واليابان باتخاذ موقف مؤيد لتشكيل مجموعة العمل، وإحياء المجموعة التى شكلت فى عام 1971 دون الضغط على الربط بين إنهاء أعمالها وتقديم مقترحاتها قبل اجتماع القمة المشار إليه فى يونيو 1992 بينما علقت الدول النامية موافقتها على تكوين مجموعة العمل بنقطتين أساسيتين وهما اولا تحديد اختصاص مجموعة العمل عند تكوينها مع عدم تحميل الجات كاتفاقية متعددة الأطراف فى مجال التجارة الدولية مسؤولية أعمال منظمات دولية أخرى وثانيا عدم الضغط على المجموعة بإنهاء أعمالها فى وقت محدود نظرا لتشعب وتعدد الموضوعات التى تناولها. وفى أكتوبر 1991 اتخذ مجلس الجات فى قراراً يتضمن تشكيل مجموعة العمل لبحث موضوع التجارة والبيئة مفتوح عضويتها لكافة الأطراف المتعاقدة بالجات، ووضع أساس عمل مجموعة التجارة و البيئة فى الإطار التى بدأ فيه التفكير عند إنشاء المجموعة لأول مرة عام 1971 مع الاسترشاد بما تم التوصل إليه فى المناقشات المبدئية التى أجراها مجلس الجات، وتقرر أن تكون مساهمة الجات فى أعمال مؤتمر ريو دي جانيرو من خلال: تقديم سكرتارية الجات على مسؤوليتها الدراسات والتقارير التى أعدتها عن الموضوع وما تضمنه التقرير السنوي للجات لعام 1991 الذى يتناول موضوع التجارة والبيئة بشكل تفصيلي، على أن لا تلزم تلك الأوراق أى من الأطراف المتعاقدة بحكم مسبق على هذا الموضوع.

 

 

 

وقد مثل التقرير السابق العمود الفقرى لقرار التجارة والبيئة الذى تم تبنيه فى الاجتماع الوزارى الختامى لجولة اوراجواى فى مراكش ابريل 1994  والذى ادى بدوره الى انشاء لجنة التجارة والبيئة فى اطار منظمة التجارة العالمية ، ومن ثم فان قرار انشاء لجنة التجارة والبيئة شكل الدليل القاطع على بداية دخول البعد البيئى ضمن اهتمامات منظمة التجارة العالمية.

 

 

 

مهام لجنة التجارة والبيئة (CTE)

 

حددة مرجعية القرار المنشأ لجنة التجارة والبيئة داخل منظمة التجارة العالمية مهام اللجنة فى تحديد العلاقة بين احكام النظام التجارى العالمى  المتعدد الاطراف والاجراءات التجارية المتخذة لاغراض بيئية  وتلك المتخذة بموجب الاتفقات الدولية المعنية بالبيئة والعلاقة بين السياسات البيئية المتعلقة بالاجراءات البيئية  ذات الاثار التجارية واحكام النظام التجارى متعدد الاطراف.كما اختصت اللجنة بتحديد العلاقة بين احكام النظام التجارى العالمى متعدد الاطراف والرسوم والضرائب المفروضة لاغراض البيئة والمتطلبات البيئية  المتعلقة بالمنتجات  وتتضمن المعايير والنظم الفنية والتعبئة والتغليف واعادة الاستخدام. ومن مهام اللجنة ايضا توضيح احكام النظام التجارى متعدد الاطراف بشأن الشفافية للاجراءات التجارية المتخذة لتحقيق اهداف بيئية والاجراءات والمتطلبات البيئية ذات الاثر التجارى الفعال وايضا العلاقة بين اليات تسوية المنازعات فى النظام التجارى متعدد الاطراف وتلك المتضمنة فى الاتفاقات الدولية المعنية بالبيئة، وتختص اللجنة بتحديد اثر الاجراءات البيئية على النفاذ الى الاسواق خاصة بالنسبة للدول النامية وعلى الاخص الدول الاقل نموا منها والفوائد البيئية الناتجة عن ازالة قيود التجارة وتشوهاتها وصادرات السلع المحظورة الاستهلاك محليا.

 

 

 

فضلا عن ذلك تم تكليف اللجنة بدراسة كل من الفقرات المتعلقة بها فى القرار الصادر من المجلس الوزارى للمنظمة بشأن اتفاقية التجارة فى الخدمات واتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية وفقا لشروط المرجعية. كما كلف القرار ايضا اللجنة بالنظر فى الاجراءات المناسبة للعلاقة بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالبيئة ومنظمة التجارة العالمية.

 

 

 

العلاقة بين الاتفاقيات البيئية متعددة الاطراف  وقواعد التجارة والية فض المنازعات بمنظمة التجارة العالمية :

 

 

 

ترى لجنة التجارة والبيئة ان الاطار الامثل لمعالجة المشكلات البيئية هو التعاون فى ظل الاتفاقات البيئية متعددة الاطراف ، كما تؤكد  اللجنة على عدم السماح بوجود الاجراءات الاحادية بدعوى الحفاظ على البيئة والتى تتنافى مع قواعد حرية التجارة بمنظمة التجارة العالمية ، ولم ترحب اللجنة باقتراحات بعض الدول لتوسيع نطاق استخدام الاجراءات البئية لتطبيق الاتفاقات البيئية متعددة الاطراف فى التبادل التجارى مع الدول الغير اعضاء بتلك الاتفاقات ، واما فى  حالة نشوب اى نزاع يتعلق بالمسائل البيئية وعلاقتها بالتجارة  اقرت لجنة التجارة والبيئة على احقية كل الدول الاعضاء  الالتجاء الى جهاز فض المنازعات الخاص بالمنظمة الا فى حالة  اتفاق اطراف النزاع من الدول فى تسويته خارج النطاق هذه الالية. ومن جانبه فان الدول المتقدمة ترى ضرورة اعطاء الاولوية لفض النزاعات البيئية فى اطار الاتفاقات البيئية الدولية متعددة الاطراف ،  بينما تفضل الدول النامية  الجوء الى تسوية النزاعات فى اطار منظمة التجارة العالمية  والتمسك فى حقها الى اللجوء الى جهز فض المنازعات .

 

 

 

تسوية المنازعات البيئية داخل الجات ومنظمة التجارة العالمية:

 

 

 

اختلف اسلوب تسوية المنازعات بين الجات ومنظمة التجارة العالمية حيث ساد اسلوب التفاوض المبنى على علاقات القوة فى ظل الجات ، بينما ساد اسلوب الاحتكام الى قواعد عامة محددة ومعروفة سلفا فى ظل اتفاقات منظمة التجارة العالمية فيما عرف بآلية فض المنازعات.وعلى اية حال فسيتم تناول اربعة نزاعات بيئية الاول تم معالجته فى ظل الجات والنزاعات الثلاث الاخرى تم معالجته داخل منظمة التجارة العالمية.

 

 

 

1- قضية التونة والدرافيل بين المكسيك والولايات المتحدة الامريكية :

 

رفعت المكسيك قضية ضد الولايات المتحدة في 3 سبتمبر 1991 تتهمها فيها بأن الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية بناء على قانون حماية الحيوانات البحرية – والذي تحرم بمقتضاها الولايات المتحدة الأمريكية استيراد التونه ومنتجاتها التي يتم اصطيادها بشبكات صيد حريرية أو بطريقة تؤثر على حياة الدرافيل خاصة من مياه المحيط الهادي الاستوائية – متعارض مع الجات ، ومن جانبها فقد احتجت الولايات المتحدة بقانونها الصادر في عام 1988 بشأن حماية الحياة البحرية والذي يحرم استيراد التونه من دول الشرق الاستوائي للمحيط الهادي التي لا تتوافق طرق صيدها مع معايير حماية الدرافيل التي تطبيقها الولايات المتحدة على صياديها المحليين . وساندت محكمة تسوية النزاع – التي تشكلت في إطار الجات – المكسيك على أساس أن قواعد الجات هنا تمنع وضع قيود على الاستيراد وفقا لطرق الإنتاج كما لم تأخذ المحكمة بما أثارته الولايات المتحدة من معرفة الموردين السابقة بقواعد حماية الدرافيل في الولايات ويلاحظ أن قرار المحكمة لم يتم تبنيه من مجلس الجات وبالتالي لا يلزم أطرافه حيث تم تسوية المسألة بعد ذلك بين المكسيك والولايات المتحدة.

 

 

 

2-نزاع الجمبرى والسلاحف البحرية:

 

نتيجة لضغط المنظمات البيئية والغير الحكومية ادمج القانون الامريكى الخاص بالمحافظة على الحيوانات المهددة بالانقراض حكما يمنع استيراد الجمبرى الذى تم اصطيادة بواسطة انواع معينة من الشبكات والتى لا تحافظ على سلاحف البحر، ومن ثم فقد تضررت بعض البلدان المصدرة للجمبرى من هذا القرار الامريكى وكان على رأس تلك البلدان الهند وماليزيا وباكستان وتايلاند معتبرة ان القانون الامريكى يناقض احكام اتفاقية منظمة التجارة العالمية وهو ما ايدته الاجهزة المعنية لمنظمة التجارة العالمية حيث عارضت الاجراءات المتخذه من جانب الولايات المتحدة الامريكية حيث خلص جهاز الاستئناف التابع لالية فض المنازعات  الى ان الاجراء الامريكى كان "تميزيا بشكل لا يمكن تبريره" كما ان الولايات المتحدة الامريكية لم تقم باجراء مفاوضات لتوصل الى حلول توافقية لحماية السلاحف البحرية والمحافظة عليها، كما ان الولايات المتحدة الامريكية فى تطبيقها لقرار منع الاستيراد اعطت دول الكاريبى فترة سماح اطول من تلك الممنوحة الى الدول الاسيوية .

 

 

 

3--النزاع حول البقر الهرمونى:

 

قام النزاع حول البقر الهرمونى بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبى بعدما قرر الاتحاد الاوروبى منع استيراد اللحوم المحتوية على هرمونات النمو القادمة من الولايات المتحدة الامريكية لاغراض صحية ، حيث كان الاتحاد الاوروبى يرى انه يجب القيام بالتحاليل على المدى الطويل لمعاينة اخطار استهلاك اللحوم المحتوية على الهرمونات على صحة الانسان، وعندما عرضت هذه القضية امام منظمة التجارة العالمية فقد رفضت الاجهزة المعنية بتسوية النزاعات الاجراءات الاوروبية حيث ان هذه الاجراءات من طرف الاتحاد الاوروبى مخالفة لقواعد المنظمة حيث لم يثبت حتى الان اى اخطار لتلك اللحوم.

 

 

 

4- الحظر الاسترالى ضد بعض صادرات السلمون الكندية:

 

يتلخص ذلك النزاع فى تقديم كندا شكوى الى منظمة التجارة العالمية  بسبب وجود حظر استرالى لبعض انواع صادرات السلمون الكندى بسبب بعض قواعد الحجر التى يعود تاريخها الى عام 1975 ، ووفقا لحكم محكمة جهاز الاستئناف التابع لمنظمة التجارة العالمية فان استراليا بهذا الحظر  تكون قد خرقت اتفاقية تدابير الصحة النباتية والحيوانية   spsوخاصة بعد ان فشلت فى تبرير الحظر الذى فرضته على اساس علمى ومن ثم فقد رفضت منظمة التجارة العالمية الاجراءات الاسترالية من جانب واحد .

 

 

 

مستقبل حماية البيئة داخل اتفاقات منظمة التجارة العالمية:

 

لا يمكن الجزم بشكل تام التنبؤ بمستقبل حماية البيئة داخل منظمة التجارة العالمية حيث أثارت المحاولات العديدة للدول المتقدمة لفرض معايير بيئية وربطها بالتجارة العالمية  داخل منظمة التجارة العالمية العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقة للدول المتقدمة، وعن المصالح الحقيقة في عصر اصبح فيه استخدام الحواجز التجارية العادية  أمرا مرفوضا حيث أصبحت الميزة التنافسية هى المعيار الأوحد المقبول لتحديد حرية حركة التجارة العالمية، وهو ما كشف عنه سعى الدول الأكثر تقدما وذات الميزة التنافسية تكنولوجيا الى جعل هذه الميزة هى العنصر المتحكم في التدفقات التجارية بين دول العالم المختلفة، بل وسعيها في المقابل إلى حرمان الدول النامية من ميزاتها التنافسية والتى تتمثل في العمالة الرخيصة وخاصة من الأطفال والنساء وهذا كان ليس محل دراستنا والميزة الأخرى هى استخدامها أحيانا في صناعتها المحدودة لادوات ومواد وطرق ملوثة للبيئة، ومن ثم فقد اختارت الدول المتقدمة التركيز على مثل هذه القضايا البيئية، وذلك دون الآخذ في الاعتبار القدرات الاقتصادية المحدودة للدول النامية، ولذا فان معظم الدول النامية لا تستطع ان تلتزم بجميع الشروط، ومن ثم فان الدول النامية تعتبر الشروط المعيارية الجديدة للبيئة بمثابة نوعا جديدا من الحماية التجارية تستطيع من خلالها الدول المتقدمة ان تتذرع به لتقييد حرية الدول النامية، ومن ثم فان مستقبل البيئة داخل منظمة التجارة العالمية يرتبط بشكل كبير فى مدى قدرتها على التوفيق بين المصالح البيئية المتعارضة للدول النامية والدول المتقدمة وهو امر صعب المنال فى الوقت الحالى وخاصة فى ظل عالم اصبح تحكمة قواعد ومنطق القوة وتخلى عن القواعد والاعتبارات القيمية والاخلاقية دون اى رجعة.

 

 

 

الدكتور هشام بشير: مدير الشبكة العربية للتنمية المستدامة.

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي