أثر الاحتلالِ الأمريكي على تدمير البيئةِ في العراق ِ

دكتور هشام بشير عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
الكاتب : د.هشام بشير الأحد 07 أكتوبر 2012 الساعة 01:10 مساءً

 

من المُسلَّم به أن أغلب الأضرار التي تتعرض لها البيئةُ وعناصرها، إنما ترتد إلى الحروبِ، حيث إن الدول المُتحاربة بدأت في استخدامِ أسلحةٍ أشد فتكًا وتدميرًا للإنسان والبيئة على خلفية التقدُّم التكنولوجي والتقني في مجال التسلُّح. ولقد أثبت الاحتلالُ الأمريكي لدولة العراق فى 2003 – بشكلٍ لا جدال فيه- دور الحرب في تهديد البيئة كموطنٍ للإنسان، يعتمد عليه اعتمادًا كليًا، ومساهمتها في الإسراع في عملية انهيار الأنظمة الإيكولوجية. ولم تفرِّق هذه الحربُ بين الأخضر واليابس، بل استخدمت أبشع أنواع الأسلحة الفتَّاكة، مما كان له أشد التأثير في تدمير البيئة العراقية، ويُمكن جمع أهم مظاهر الإخلال بالبيئة في النقاط التالية:

§        تلوث البيئة الأرضية

§        تلوث الهواء

§        تلوث الماء

 

1- تلوثُ البيئةِ الأرضيةِ

 

يُقصد بتلوث الأرض التدمير والفساد اللذان يصيبان الأرض فيغيران من خواصها وصفاتها ويغيران من تراكيبها، مما يجعلها تؤثر سلبًا على من يعيش فوق سطحها من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ هذا من جانب.

ومن جانب أخر فيمكن القول إن البيئةُ العراقيةُ قد تعرضت لانتهاكات خطيرة من جراء الاحتلال الأمريكي، فعلى سبيل المثال استخدمت القوات الأمريكية الناقلات العملاقة، والدبابات، والعربات، وكاشفات الألغام التي جابت الأراضي العراقية من شمالها إلى جنوبها، هذا بالإضافة إلى المخلَّفات، وجميعها عملَ على تلويث البيئة العراقية.

فقد أدت الانفجاراتُ الضخمة، وحركة الآليات العسكرية والدبابات التي كانت تجوب البساتين والأراضي الزراعية، إلى اقتلاع الأشجار، وانجراف التربة، فلقد كان للانفجارات تأثيرٌ على التربة، وقد نتج عن هذه الانفجارات انبعاثُ موجات تضاغط وتخلخل في سطح التربة أدت إلى تصدِّع الطبقات المُتماسكة من السطح وتفتيتها، والتي أدت إلى تكون دقائق من التراب أو الرمال جاهزة للتطاير، والتي غالبًا ما تختلط مع ذرات الهواء بقدوم الرياح.

وقد كان لتلوث التربة أثرهُ الكبير على الانخفاض الشديد في خصوبتها وضعف إنتاجها الزراعي وضعف في القيمة الغذائية لمنتجاتها، وبطبيعةِ الحالِ فقد انعكس ذلك على النبات، وعلى الثروة الحيوانية " الدواجن"، ومن المنطقي والبديهي أن ينعكس ذلك على الإنسان بحكم الدورة الغذائية له سواء من النباتات أو المواشي أو الدواجن؛ لذلك كثرت في العراق ظهور حالات التشوهات الخلقية وضعف الخصوبة سواء بالنسبة للإنسان أو الحيوان.

وبالإضافة إلى ما سبق فإنه يمكننا القول بأن الولايات المُتَّحدة الأمريكية قد استخدمت الكثير من الأسلحة العشوائية، والتي لها تأثيرٌ كبيرٌ على البيئة، ومن هذه الأسلحة استخدام الفسفور الأبيض، وهو عبارة عن مادة شمعية شفافة بيضاء مائلة للإصفرار، لها رائحة تُشبه رائحة الثوم وتُصنع من الفوسفات، وهو مادة دخانية كيميائية تخترق العظام، وتسبِّب حروقًا عند ملامستها للجلد، تحرق كل طبقاته حتى تصل إلى العظام.

وقد أجمع الخبراءُ على تأثير هذه المادة على البيئة؛ فعندما تترسب على التربة الزراعية تُفقدها خصوبتها لفترات طويلة، حيث تقتل البكتيريا المسؤولة عن تحليلِ المادة العضوية وتثبيت عنصر النيتروجين بها، وينتقل التلوث إلى النباتات والمزروعات ويصل إلى المياه الجوفية عن طريق الأنهار والري.

وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن بعض المدافع أطلقت الفسفور الأبيض، وأضافت أن المُقاتلين أفادوا بأنهم هوجموا بمواد أذابت جلدهم، وذلك تفاعل يتطابق مع حروق الفسفور الأبيض، وقال كمال حديثي طبيب في مشفى المنطقة: "كانت جثثُ المُجاهدين التي استلمناها محروقةً وبعضها مصهورة".

ونظرًا لخطورة الفسفور الأبيض – والذي يُصنَّف كمادة حارقة- فهو محظورٌ استخدامه طبقًا للبروتوكول الثالث المُلحق بمُعاهدة جنيف الدولية الذى دخل حيز التنفيذ عام 1983، وحظرت تلك الاتفاقية استخدامه ضد الأهداف العسكرية التي تقع ضمن تجمعات سكنية، إلَّا إذا كانت معزولة تمامًا.

فالقانونُ الدولي يحظر في البروتوكول الثالث من اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية مُعينة، يُمكن اعتبارها مُفرطة الضرر أو عشوائية الأثــر (1980) استخدام الأسلحة الحارقة ضد المدنيين أو الأهداف العسكرية الموجودة في مناطق آهلة بالمدنيين، ولذا فإن قوات الاحتلال الأمريكي انتهكت قواعدها، بالإضافة إلى القانون الدولي عندما هاجمت المدينة باستخدام المواد الحارقة والمُرعبة.

ونرى أنه إذا كان يمكن الاعتراض بأن الفسفور الأبيض غير مُصمَّم أساسًا لإحداث آثار حارقة، وبالتالي لا يخضع للبروتوكول الثالث من اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية مُعينة يمكن اعتبارها مُفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، غير أنها تستخدم عن عمدٍ لإحداثِ مثل هذه الآثار، وذلك يُعادل التملُّص من البروتوكول الثالث بالتمسك بحرفيته، وعلى أي حال فإن مثل هذا الاستخدام مُخالف للمبادئ الأساسية التي تحظُر إلحاق آلام لا داعي لها أو أذى عشوائي، كما نرى أنه من المُمكن إثارة استخدام الفسفور الأبيض من الناحية القانونية؛ لأنه غاز سام، كما أن الفسفور الأبيض يُصنَّف كسلاحٍ كيميائي هذا من ناحية.

ومن ناحيةٍ أخرى يجب أن نُشير إلى أن الولايات المُتَّحدة الأمريكية كانت من المُشاركين في اتفاقية عام 1980 التي تُحرِّم استخدام الفسفور الأبيض كسلاح حارق ضد السكان المدنيين أو حتى ضد الأعداء في المناطق التي يقطن بها مدنيون.

ونخلُص إلى أن ما حدث في البيئة الأرضية يُعدُّ انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي، والاتفاقيات التي أُبرمت في هذا الشأن، ومن هذه الاتفاقيات اتفاقيةُ الجزائر عام 1968 بشأن الحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية، ومن الأحكام التي قررتها الاتفاقية ضرورة التزام الأطراف باتخاذ التدابير الضرورية للحفاظ على التربة والمياه والموارد النباتية.

 

2- تلوثُ الهواءِ

تعرضَ هواءُ العراقِ لتلوثٍ كبير من جراء احتلال القوات الأمريكية للعراق، وقد نجم هذا التلوث عن الحرائق واستخدام اليورانيوم المُنضَّب، والإشعاعات.

لقد استخدمت قوات التحالف اليورانيوم المُنضَّب، وبحسب صحيفة الجارديان فقد أحصى الخبراء أن قوات التحالف قد استخدمت ما بين 1000 و 2000 طن من اليورانيوم المُنضَّب المُضاد للدبابات خلال الغزو في مارس 2003 والمعارك التالية مُباشرة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى  التي تستخدم فيها الولايات المُتَّحدة، فقد استخدمته في حرب الخليج الثانية.

واليورانيوم المُنضَّب هو نفاية سامة ضعيفة الفعالية الإشعاعية، تنتج من تخصيب اليورانيوم، وتُستخدم في عددٍ من الأسلحة لاختراق دروع الدبابات والآليات المُدرعة الأخرى من مسافات بعيدة.

ويؤثر اليورانيوم المُنضَّب على البيئة، حيث إن استخدامه ينتج عنه غبار مكون من جزيئات دقيقة سامة، وهذه الجزيئات ذات نشاطٍ إشعاعي، ويمكن لهذا الغبار أن ينتقل بواسطة الرياح "الطوز" لمئات الكيلومترات.

ولقد كان للإشعاعات دور بالتلوث الذي أصاب البيئة الهوائية، وخصوصًا التلوث الإشعاعي الذي نتج عن استخدام اليورانيوم المُنضَّب، وانتشار المواد المُشعة بين الناس بعد أن سكبت محتوياتها عشوائيًا، نجم عن إصابات بأمراض لم تكن معروفة من قبل وزادت الأمراض السرطانية.

ولقد حاول دعاةُ الحرب في مُعسكر المُحافظين في عهد الرئيس السابق للولايات المُتَّحدة الأميركية جورج بوش نفي خطورة اليورانيوم، وحاولوا تكميم أفواه كل من يُعارضهم, وفي ذلك يذكر الدكتور" كيث بيفرستوك" (Keith Beverstock)  كبير خبراء الإشعاع النووي في مُنظَّمة الصحة العالمية أنه قد مُنِع من نشر تقرير عن النسب المروعة الكبيرة للمُصابين بمرض السرطان بين المدنيين العراقيين، خاصةً الأطفال منهم نتيجة لاستنشاقهم الغبار الملوث بأكاسيد اليورانيوم المُنضَّب.

وأظهرت دراسة أمريكية، أجراها مركز بحوث اليورانيوم الأمريكي، من خلال مسحٍ ميداني أن ارتفاع مستوى التلوث الإشعاعي كان واضحًا في جنوب العراق وبعض مناطق بغداد، وأن أغلب القراءات الإشعاعية كانت أعلى في الهواء من وجودها في التربة، ويدل ذلك على أن ذرات اليورانيوم المُشع والتى ينقلها الهواء هي من النوع الذى يَسهُل استنشاقه ودخوله حويصلات الرئة.

ولم يكتف الجيش الأمريكي باستخداتم اليورانيوم المُنضَّب بل استخدم عددًا من القنابل العنقودية، حيث أُلقيت 1500 قنبلة من هذا النوع يوم 22 مارس 2003 بواسطة طائرات" إف 16" على مدينة البصرة، وقد أكد الجيش الأميركي أن 30 قنبلة نابلم أُطلقت في ثلاثين يومًا ومعظمها على جسور نهر دجلة. 

وما من شكٍ أن استخدام سلاح اليورانيوم بشكل مُفرط من جانب القوات الأمريكية، قد أصاب البيئة العراقية بالكثيرِ من الأضرارِ، فبما أن الهواء ناقلٌ نشطٌ لدقائق وذرات هذا العنصر، فكان انتقال الإصابات لتبتعد عن مسرح العمليات ليصل أثرها إلى السكان المدنيين، وتزداد سرعة انتقال هذه الدقائق كلما كانت سرعة الهواء أكبر وبالتالي شمول مناطق أوسع بالضرر.

ونخلُص في النهاية إلى أن حجم القذائف التي قامت قوات الاحتلال الأمريكي بإلقائها على القواتِ العسكرية العراقية، والتي في غالبيتها تحمل موادَّ مُشعَّة من اليورانيوم المُنضَّب، وكذلك الغازات السَّامة والمواد الكيمياوية المُختلفة، بالإضافة إلى تآين الهواء بمُختلف أنواع الأجهزة الإلكترونية ذات الذبذبات العالية التي تؤثر على الخلايا الدماغية والعصبية، كل ذلك جعل من هواء العراق مُلوثًا بمُختلف أنواع الملوثات القاتلة.

ونؤكد أيضًا على أن الولايات المُتَّحدة الأمريكية قد ضربت عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية التي أولت المزيد من الحماية للبيئة الهوائية، ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية "جنيف" لعام 1960 بشأن حماية العمل من الإشعاعات المؤينة، واتفاقية الفضاء الخارجي عام 1967، واتفاقية "جنيف" لعام 1977 بشأن الحماية من تلوث الهواء والضوضاء والاهتزازات، واتفاقية "جنيف" لعام 1979 المُتعلِّقة بتلوث الهواء عبر الحدود الدولية، واتفاقية " فيينا" لعام 1985 بشأن حماية طبقة الأوزون.

وقد كشفت تقاريرٌ دولية عن الآثارِ الصحيةِ والبيئيةِ من جراءِ استخدام أنواعٍ من الأسلحة كان تأثيرُها واضحًا على السكانِ والبيئةِ على السواء، فمثلاً نشرت منظمة (medact) الطبية العالمية في نوفمبر 2003 تحت عنوان" استمرار الأضرار الجانبية والتأثيرات الصحية والبيئية للحربِ على العراق 2003 " ،وقد ركز على تأثيرات الأسلحة المُستخدمة في الحربِ على الصحةِ العامةِ والبيئةِ والحالةِ النفسيةِ للسكان، الأمر الذى يعني أنَّ ما أقدمت عليه القوات الأمريكية هو سلوكٌ خارقٌ للشرعيةِ الدوليةِ والقانونِ الدولي الإنساني، وهذا يبدو من عدم اكتراث هذه القوات بمستقبل البيئة العراقية والأضرار التي ستترتب على أفعالها واستخداماتها لأسلحةٍ محظور استخدامها، حتى امتلأت سماء العراق بكافة أنواع الغازات الضارة، ولم يعُد بإمكان سكان العراقِ حتى مجرد استنشاق هواءٍ نظيف.

 

3- تلوثُ الماءِ

 

من المُسلَّم به أن مصادر المياه تتعرض للتلوثِ، سواء في أوقاتِ السلمِ أو أثناء النزاعات المُسلَّحة، إلَّا أن مقدار التلوث يكون أكبر أثناء الحروب، ويرجعُ ذلك إلى الاستخدامات المُفرطة للأسلحة المُتطورة، كالأسلحة الكيماوية والنووية، ناهيكم عن وجودِ السفنِ والبواخرِ العملاقة، والتى تتعرض للضربات العسكرية، ما يؤدى إلى تلوث مصادر المياه المُختلفة بهذه المواد، وما تطرحه وسائل النقل البحري من مُخلَّفات النفط والزيوت التي غالبًا ما تطفو على سطحِ الأرض.

وتتكوَّن المواردُ المائية في العراقِ من المياهِ السطحيةِ للأنهارِ وفروعها الرئيسية، ومن مياهِ الأمطارِ السنويةِ وموارد المياه الجوفية، ويُشكِّل نهر دجلة القسم الأكبر من نصيب المياه المُتدفِّقة والمُتاحة يليه نهر الفرات والزابيان الكبير والصغير والكارون.

وقد تعرضت المصادرُ المائية في العراق إلى التلوثِ الناجمِ عن الحرب على العراق عام 2003، وقد كان ذلك بسبب استخدام الولايات المُتَّحدة لمُختلف أنواع الأسلحة، وضرب آبار النفط، والتي تسربت نسبة ٌكبيرةٌ منها إلى الأنهار، وبالتالي أصبحت غير صالحةٍ للاستعمال.

ويؤكد المسؤولون الحكوميون والمُنظَّمات الدولية أن أغلب قنوات مياه الشرب في بغداد لا تنطبق عليها المعايير الصحية الدولية؛ لأن مياهها تأتي من مصادر ملوثة.

لقد ذكرنا من قبل أن قواتَ الاحتلالِ الأمريكي قد استخدمت الفسفور الأبيض، وكما هو معلومٌ فإنه يُخلِّف عن تلك المادة أضرارًا هائلة على البيئة، حيث يترسب بالتربة وأعماق المياه والأسماك.

وقد أكد مختصون في وكالة المواد السَّامة وسجل الأمراض الأمريكية؛ أن بقايا مكونات قنابل الفسفور الأبيض يُمكن أن تنفذ إلى المياه القريبة من مواضع استخدامها، كما تستقر في رواسب الأنهار والأحواض المائية المُحيطة، بفعل مياه الأمطار التي تعمل على سحب المُخلَّفات الكيميائية من تلك القنابل إلى مجارٍ مائية قريبة، إذ أن قابلية الفسفور الأبيض للتفاعل بسرعة مع الأكسجين في الهواء، تُقلِّل من انتشاره إلى أماكن بعيدة عن مواضع استخدامه، وقد يصل الفسفور الأبيض إلى أجسامِ الأسماكِ التي تعيش في هذه المياه، مما قد يؤدي إلى موتها، كما يؤدي إلى نفوق الطيور المائية التي تعيش في مُحيطها كالبط البري.

ولم تسلم المياهُ الجوفية من التلوث، والذي نجم عن قيام القوات الأمريكية من دفن مستمر في الأراضي القريبة من مُعسكراتها، وفي بعضِ الأحيان البعيدة عنها، حيث تدفن مُخلَّفاتها من الآليات والأسلحة والأجهزة والمواد الكيمياوية والأغذية الفاسدة والأدوية المُنتهية صلاحية الاستخدام، والتي تحتوي في غالبيتها على (الرصاص والكاديوم والزئبق وبعض المواد ذات الإشعاع والمواد السمِّية)، هذا بالإضافة إلى المُخلَّفات البشرية، وبحكم أن المياه الجوفية قد تنتقل من مكانٍ إلى آخر فإن التلوث ينتقل معها، الأمر الذي أدى إلى ظهور العديد من الإصابات المُختلفة، خصوصًا في الحيوانات التي تعتمد في سقيِّها على المياه الجوفية وتحديدًا في المناطق الغربية من العراق ذات البيئة الصحراوية.

وبالإضافة إلى ما سبق فإن القوات الأميركية قد أنشأت قواعد عسكرية مُنتشرة في مناطق عديدة في العراق، وقد أنشأت مصفيات ماء خاصة بها تحتوي على كميات كبيرة من المواد الكيميائية لأغراضِ التصفية تطرح بعد الاستخدام في نهري دجلة والفرات والبحيرات القريبة من قواعدها دون مُعالجة، وتحتوي هذه المُخلَّفات على مركبات (الكلور الهيدروكربونية) التي تُعتبر من أهم ملوثات الماء.

وتنتشر في العراق العديدُ من البحيرات الطبيعية والتي تُعتبر مصدرًا مهمًا للثروة السمكية، وقد اتخذت القوات الأمريكية العديدَ من معسكراتها قرب تلك البحيرات وقد جعلت من تلك البحيرات مكبًا لزيوت آلياتها ومقبرةً لدفن العديد من قتلى الشركات الأمنية المُتعاقدة معها والتي لا تُريد الإفصاح عنهم، وقد نتج عن ذلك تلوث واسع وقتل للثروة السمكية ونقل التلوث إلى الإنسان والإضرار بصحته العامة، وحتى الأعشاب الطافية أصابها التلوث والتي هي المصدر الغذائي الأساسي للأسماك.

وقد أشار بعض الباحثين إلى ما أصاب الثروة السمكية من تلوث سيبقى إلى عشرات السنين القادمة.

ولما كان حقُ الإنسانِ في الحياةِ يُشكِّل حجر الزاوية في مجموع الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، وأن هذا الحق وثيقُ الصلة بحقِ الإنسان في بيئةٍ نظيفةٍ خاليةٍ من التلوث، وبغياب ذلك يتعذر الوفاء بحق الإنسان في الحياة.

ومع ذلك فإن هذا الحق- الحقُ في الحياةِ وفي بيئةٍ نظيفةٍ- سقط من أجندة الاحتلال الحربي الحاصل بأيادٍ أمريكية، فذهب حياةُ الكثيرين من جراء البيئةِ الملوثة التي صاحبت الاحتلال، كما أُصيب الكبارُ والصغارُ في العراق بأمراض كـ" الكوليرا والملاريا" من جراء حدوث التلوث الجرثومي في مياه الشرب، الأمر الذى يتعارض مع إعلان "استكهولم" من أنَّ التمتعَ الكامل بحقوقِ الإنسانِ يستدعى حماية وتحسين البيئة التي يعيش فيها الإنسان، وكانت الأمم المُتَّحدة قد حذَّرت من الكوارث البيئية التي يمكن أن تُصيب المنطقةَ من جراءِ استخدامِ الأسلحةِ الثقيلة وتحركات الآليات العسكرية، فضلاً عن التلوثِ بالسمومِ من آبارِ النفطِ المحروقةِ أو النفطِ الغارقِ بالمياه.

وإجمالاً فقد عكست المظاهر السابقة ما قام به الاحتلال الأمريكي من الإخلال بالبيئةِ العراقيةِ، وهوما لا يدع مجال للشك من ان الولايات المُتَّحدة قد انتهكت كل قواعد ومبادئ القانون الدولي، الأمر الذي يستوجب مسؤولياتها عما أحدثته من دمارٍ للبيئةِ العراقيةِ.

 

 

 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي