الجرائم البيئية تهدد الامن العالمي.

مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بنى سويف
الكاتب : د.هشام بشير الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 الساعة 03:35 مساءً

   اصبحت الجرائم البيئية واحدة من أكثر واخطر اشكال الجريمة المنظمة تهديدا لمستقبل الانسان وديمومة الحياه ،كما لا تقل خطورتها عن اى من الجرائم الإرهابية الاخرى بل هناك من يرى – وانا معهم- ان الإرهاب البيئي يعد أخطر الجرائم التي تستوجب عقوبات مشددة خاصة انها تهدد مستقبل البشر جميعا دونما استثناء، كما تسهم الجرائم البيئية في تمويل العديد من الصراعات والحروب فى العديد من بلدان العالم النامي هذا من جانب.
       ومن جانب اخر فان الجرائم البيئية التي تمس الموارد الطبيعية البيئية هى الاخطر والاكثر ضرراً كما يحدث الان فى الصومال وسوريا وغيرهما وكذلك ما حدث فى اثناء الغزو الانجلو اميركي على العراق 2003 وايضا فى العدوان الاسرائيلى على لبنان عام 2006، ولذا فلم يكن غريبا ان تتسبب الاضرار البيئية المتزايدة سالفة الذكر فى خلق حالة من التشاؤم العالمي بأن الاسواء من جرائم البيئية قد يكون قادما اذا استمرت الحروب والنزاعات مع اهمال قضايا البيئة.
        وعموماً يمكن تعريف الجريمة البيئية بأنها ذلك السلوك الذي يخالف به من يرتكبه تكليفاً يحميه المشرع بجزاء جنائي، والذي يحدث تغييراً في خواص البيئة بما يؤدي إلى الإضرار بالكائنات الحية والموارد الحية أو غير الحية ومن ثم يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية، فالحرب جريمة بيئية وكذلك تلويث وتدمير البيئة الطبيعية وايضا الاتجار غير المشروع فى النباتات والحيوانات .
كما ان الجريمة البيئية اصبحت معضلة دولية متنامية تتجاوز تداعياتها الحدود الوطنية - مما قد يهدد الامن والسلم الدوليين - ففى خلال العقدين الماضي والراهن اسهمت بعض صور الجرائم البيئية في تمويل عدد من الميليشيات المسلحة فى العديد من دول العالم خاصة التى تشهد صراعات مسلحة حيث قدرت دراسة حديثة طرحت خلال الاجتماع الذى عقدته الأمم المتحدة لوزراء البيئة في العاصمة الكينية "نيروبي" فى الاسبوع الاخير من شهر يونيو / حزيران 2014 أن قيمة جرائم البيئة يتراوح بين 70 و213 مليار دولار في العام الواحد.
    كما اوضح احد تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة – الذي صدر فى 24  يونيو/ حزيران 2014 - أن مكاسب حركة الشباب السنوية فى الصومال من تجارة الفحم غير المشروعة بين 38 و56 مليون دولار، وتعتمد هذه الحركة بشكل أساسي على إيرادات تصدير الفحم لتمويل عملياتها الإرهابية، حيث تعد حركة الشباب الفصيل الوحيد الذي يسمح بتصدير الفحم من الموانئ التي تسيطر عليها، هذا من جانب
    ومن جانب اخر– وكمثال واضح لللكاسب الهائلة لعمليات الاتجار غير المشروع فى الحيوانات البرية - نجد ان العائد من الاتجار بالافيال ووحيد القرن فقط يقدر ما بين حوالى عشرة الى عشرين مليار دولار سنويا طبقا لعدد من التقديرات الدولية.

الحروب فى المنطقة العربية والجرائم البيئية.
ليس بجديد القول بأن البيئة كانت ومازالت واحدة من أهم ضحايا الحروب على مر العصور، حيث تلعب الحروب الدور الاخطر في التأثير على البيئة العربية فى ضوء استخدام مختلف الأسلحة الفتاكة والمدمرة للبيئة والتى تؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديناميكي بين عناصر البيئة المختلفة وإنهاك المقومات الأساسية لديمومة الحياة الطبيعية.
        وفى هذا الصدد فقد  حذر تقرير برنامج الام المتحدة للبيئة الذي صدر فى 24 يونيو/ حزيران 2014 وسبق ان تناولنا جزء منه – عند الحديث عن حركة شباب المجاهدين فى الصومال- من كارثة بيئية فى القريب العاجل ستواجهها سوريا والعراق والدول المجاورة بسبب استمرار النزاع المسلح فى المنطقة، واكد التقرير أن الكارثة البيئية قد تكون الأسوأ خاصة فى سوريا التى امتدت فيها الآثار السلبية للنزاع إلى تهديد معظم الحياة البرية بالانقراض، نتيجة نزوح ستة ملايين شخص داخلها ، واعتماد جزء كبير منهم على صيد الحيوانات التى كانت تقع ضمن محميات بيئية واعتمادها كغذاء، كما حذّر التقرير من خلق جيل مشوه من الاطفال في سوريا بسبب انتشار الأمراض خاصة الملاريا وشلل الأطفال كنتيجة مباشرة لتلوث الماء والهواء والتربة.
كما تعرضَ العراقُ منذ الغزو الأنجلو- أمريكى له في عام 2003 - ولا يزال - لغزو غاشم وحرب مدمرة شمل تأثيرها جميع مساحته الجغرافية، وامتدَّ هذا التأثير إلى عمق المناطق المجاورة، وقد تميزت هذه الحرب باستخدام العديد من الأسلحة الفتاكة (أسلحةٌ ذات تأثيرٍ عشوائي- أسلحة تدمير جماعي- قنابل فراغية وعنقودية- أسلحة فسفورية- غازات سامة - أسلحة كيماوية- أسلحة حديثة جُربت للمرة الأولى في الحرب على العراق).هذا التدمير المُنظم الذي امتدت آثارهُ السلبيةِ إلى دول الجوار الجغرافى، هذا فضلاً عن امتدادها فى المُستقبل - عبر الجغرافية والزمن - لقرون قادمة وذلك بحسب الكثير من الدراسات العلمية المُهتمة بهذا الخصوص، والقول بالقصد يعني بأن ما ارتُكب بحق الشعب العراقي وبحق بيئته كان عن سابق إرادة مما يُعدُّ جريمة حرب من الدرجة الأولى بحسب تعريف القانون الإنساني لجريمة الحرب " بأنها الجريمةُ التي تتحصل أركانها بمجرد حصول انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف (1949) وذلك بالاعتداء على المدنيين ومُمتلكاتهم، كما تقوم أركانها بحصول انتهاكات خطيرة للقوانين والأعراف السارية المفعول خلال المُنازعات المُسلَّحة "، ومن خلال التعريف وبمطابقته على ما حدث ويحدث في الواقع من انتهاكات جسيمة تطابق ما ذكر في توصيف جريمة الحرب.
       بمعنى اخر فقد تعرضت البيئةُ العراقيةُ لانتهاكات خطيرة من جراء الاحتلال الأميريكي، فكان لتلوث التربة أثرهُ الكبير على الانخفاض الشديد في خصوبتها وضعف إنتاجها الزراعي وضعف في القيمة الغذائية لمنتجاتها، وبطبيعةِ الحالِ فقد انعكس ذلك على النبات، وعلى الثروة الحيوانية وكذلك الإنسان حيث كثرت في العراق ظهور حالات التشوهات الخلقية وضعف الخصوبة.
      وبالإضافة إلى ما سبق فنجد أن الولايات المُتَّحدة الأميركية قد استخدمت الكثير من الأسلحة العشوائية وابرزها الفسفور الأبيض- وهو عبارة عن مادة شمعية شفافة بيضاء مائلة للإصفرار وهو مادة دخانية كيميائية تخترق العظام، وتسبِّب حروقًا عند ملامستها للجلد، تحرق كل طبقاته حتى تصل إلى العظام- وقد أجمع الخبراءُ على التأثير الخطير لهذه المادة على البيئة؛ فعندما تترسب على التربة الزراعية تُفقدها خصوبتها لفترات طويلة، حيث تقتل البكتيريا المسؤولة عن تحليلِ المادة العضوية وتثبيت عنصر النيتروجين بها، وينتقل التلوث إلى النباتات والمزروعات ويصل إلى المياه الجوفية عن طريق الأنهار والري.
      وفي الحقيقة فإن استخدام اليورانيوم المُنضَّب في الحرب على العراق يُعدُّ جريمةً ضد الإنسانية لمُخالفته للقانون الدولي الإنساني وقواعد وأعراف الحرب، وتُعد الولايـات المُتَّحدة الأميركية من الدول الأطراف في اتفاقية "لاهاي" لعام 1899، والإعلانات الثلاث المُلحقة بها، كما أنها دولة طرف في اتفاقية "لاهاي" لعام 1907 بشأن قواعد وأعراف الحرب، وما ارتكبته الولايات المُتَّحدة الأميركية في حق العراق يُخالف نص المادة 23 من اتفاقية "لاهاي" ، وكذلك اتفاقيات "جنيف" الأربعة لعام 1949 والبروتوكولان المُلحقان بها وفقًا للمادة (55) والتي تُلزم الدول بمراعاة حماية البيئة الطبيعية من الأضرارِ البالغةِ أثناء القتال.
وفى نفس الاطار السابق فقد ترتب على العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/ تموز وأغسطس/ اب 2006 انتهاكٌ لكافة قواعد القانون الدولي الإنساني، فقد دمرت إسرائيل على نحو عمدي البيئة الطبيعية وغيرها فى لبنان، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مطار بيروت الدولي وفرضت الدولة العبرية حصارًا جويًا وبحريًا وبريًا على لبنان، وعلى مدار شهر ونيف أغارت إسرائيل على الطرقِ والجسورِ والكباري التي تربط المُدن والقرى اللبنانية ببعضها البعض ، كذلك قصفت الطائراتُ الإسرائيليةُ كافة الطرق البرية بين لبنان وسورية. الأمر الذي تسبب فى تقطيع أوصال الدولة اللبنانية وتدمير البيئة وإعاقة إمكانية التنقل بصورة طبيعية بين ربوعه أو إلى خارجه، مما أثر بشكلٍ سلبي على توفير المواد الأساسية للبقاء وأعاق عمليات الإغاثة، كما استهدفت القوات الإسرائيلية تدمير البيئة اللبنانية والبنيات التحتية لدولةِ لبنان، فقصفت البلدات والقرى ودمرت مناطق سكنية بكاملها، وأجبرت أكثر من مليون مواطن على النزوح واللجوء والتشرد، وسقط أكثرُ من ألفِ قتيلٍ، 40% منهم من الأطفال، وأكثر من أربعة آلاف جريح، كما قصفت مبانى ومقارًا تابعة للجيش اللبنانى، والهوائيات الخاصة بالاتصالات الهاتفية، ومحطات الإرسال التلفزيونية، واستهدف القصف المُستشفيات وسيارات الإسعاف وعربات الدفاع المدني وفرق الإنقاذ وقوافل الإغاثة الإنسانية، ولم تسلم البيئةُ من التخريب؛حيث تلوثت الشواطئ اللبنانية من جراء قصف خزانات وقود محطات توليد الكهرباء.
يذكر أنَّ الجيشَ الإسرائيلي استخدم في حربه غير المشروعة على لبنانِ عام 2006 أنواعًا من الأسلحةِ الخطرةِ والمُدمِّرة والمحظورة وفقًا للقانونِ الدولي الإنساني، حيث إنَّ استخدام هذه الأسلحة يُمثِّل خطرًا كبيرًا على البيئةِ اللبنانيةِ وخلَّف الكثيرَ من الأضرارِ التي تحتاج إلى سنوات للتغلبِ عليها والتخلُص منها، ومن هذه الأسلحةِ: القنابلُ العنقوديةُ والقنابلُ الفسفوريةُ الخطرتان، الأمرُ الذى يعني أنَّ إسرائيلَ تجرأت في حربها الأخيرةِ ضد لبنان عام 2006 على استخدام أسلحةٍ خطرةٍ امتدَّ خطرها ليشمل الإنسانَ والحيوانَ والنباتَ وكل عناصر البيئةِ التي تتأثر بدرجةٍ أو بأخرى بإطلاقِ مثل هذه القنابل الفتَّاكة، وهذا ما أكدته تقاريرٌ دولية صدرت عن مُنظَّمات حقوقِ الإنسانِ الدولية، ومع ذلك فقد نفت إسرائيلُ ذلك في بادئ الأمر، وهذا النفي الإسرائيلي، لم يلق قبولاً لدى المُجتمعِ الدولي بسبب تاريخها الدموي الطويل. وفى ضوءِ ما تقدَّم يُمكننا التأكيد على ما أجمع عليه العديدُ من الخبراء من أنَّ العدوان الإسرائيلي على لبنان قد ترتَّب عليه اعتداءٌ صارخ على البيئة اللبنانية، ولذلك فإنَّ إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن الضررِ البيئي، والتدهورِ الصحي الذي لحق بلبنان، وذلك بموجب القواعد الدولية، وبموجب القواعد والأسس الشرعية الدولية، وقواعد وأعراف الحرب.
وختاماً فمن المهم ضرورة اتخاذ إجراءات دولية عاجلة اولا لمنع حدوث الجرائم البيئية التى لا تقل خطورة عن الجرائم الدولية الاخرى وثانيا يجب التعامل مع الجرائم البيئية القائمة – بكفاءة وفاعلية- سواء التى أحدثته الحروب او الانسان بشكل متعمد من خلال إجراء دراسات علمية لتحديد وتقييم المناطق الملوثة، ووضع برامج توعية حقيقية بالمخاطر الصحية والبيئية للتلوث بأشكاله كافة، كما يتطلب الأمر اهمية وضع برامج مستقبلية لإنعاش البيئة وحمايتها والمطالبة بدمج الاعتبارات البيئية في أي نشاط عسكري أو مدني قد يؤثر في البيئة بشكل له انعكاسات سلبية.
 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي