التنمية المستدامة في الصين |
|
لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة على اهتمام العالم خلال الـ 15 سنة المنصرمة، وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية، ولاسيما الصين باعتبارها واحدة من القوى العظمى في العالم. حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية ذات قيمة بحثية حقيقية في الصين، وأضحت تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها الندوات والمؤتمرات. ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضاً بوصفه مفهوماً وفلسفة وعملية، ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين. بدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبحت الصين اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخلف هي السبيل الوحيد لضمان الحصول على مقومات الحياة في الحاضر والمستقبل للنهوض بالتجربة التنموية الصينية إلى مصاف القوى العظمى.
وشهدت الصين ارتفاعاً ملحوظاً من حيث الاقتصاد والقوة العامة ومستوى معيشة المواطنين منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج قبل أكثر من 30 سنة باعتبارها ركائز مهمة للتنمية المستدامة في البلاد، لكنها أدت إلى الإسراف في استخدام موارد الطاقة وتفاقم تلوث البيئة جراء أنماط الإنتاج المتخلفة.
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الصينية أصدرت حزمة من السياسات لدفع تنمية الصناعات الناشئة باستخدام التقنيات الحديثة الصديقة للبيئة في الـ 20 سنة المقبلة بغية دفع تنمية الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون.
وقد شرع مجلس الدولة الصيني في تنفيذ "الخطة العامة لأعمال توفير الطاقة وخفض الانبعاثات" في عام 2006، وتهدف إلى استبدال القدرة الإنتاجية المتخلفة في الصناعات مثل الطاقة الكهربائية والحديد والصلب ومواد البناء والألمنيوم وغيرها. وقال "شيه تشن هوا" نائب رئيس لجنة الدولة للتنمية والإصلاح أنه تم تحقيق مهام توفير الطاقة وخفض الانبعاثات في الخطة الخمسية الحادية عشرة من (2006-2010).
وقد تراجع استهلاك الطاقة في الصين لكل عشرة آلاف يوان من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010، واستثمرت الحكومة المركزية الصينية أكثر من 200 مليار يوان (حوالي 30 مليار دولار أمريكي) في الأعوام الخمسة الأخيرة، فيما اجتذبت استثمارات بنحو تريليوني يوان (حولي 300 مليار دولار أمريكي) من كل أنحاء البلاد لتوفير الطاقة وحماية البيئة.
وتعمل الصين حالياً على تحويل نموذج ازدياد الاقتصاد هادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية الوطنية السليمة والمستدامة بواسطة تعديل هيكل الاقتصاد وتثبيت الإجراءات لتوفير الطاقة وخفض استهلاكها مما يسرع خطواتها المتوجهة للاندماج في العولمة الاقتصادية.
وقال "تشونغ وى" مدير مركز البحوث في المالية الدولية في جامعة المعلمين ببكين أن الصين تختار"الجودة" كأهم عنصر ضمن عملية التنمية الاقتصادية الأمر الذي يعتبر لصالح التنمية الاجتماعية الشاملة المتناسقة في الصين من جهة، ويساعد الصين على مقابلة تحديات العولمة من جهة أخرى .وأضاف أن النموذج الجديد يجعل الصين تعيد النظر في مشاكل كانت مهملة في السابق وتأثيرات سلبية ناجمة عن الازدياد السريع.
وأشار تقرير صادر عن "أكاديمية العلوم والتكنولوجيا الصينية" إلى أن الصين تحتل فقط المركز الرابع والخمسين ضمن 59 دولة رئيسية في مجال نسبة الفاعلية مقابل الاستهلاك من الطاقة. وهو ما يثبت أنها لم تخرج من نموذج الازدياد المتخلف حتى الآن.
وما زال نصيب الفرد من الموارد الرئيسية والتي من ضمنها الأراضي الزراعية ومياه الشرب والطاقة ومناجم الحديد يصل إلى ما دون ثلث إلى نصف المعدل العالمي. كما تستهلك الصين ما يعادل 4.3 ضعف كمية الطاقة التي تستهلكها الولايات المتحدة و7.7 ضعف مثيلتيها في ألمانيا وفرنسا و11.5 ضعف نظيرتها في اليابان في عملية خلق كل دولار أمريكي من الناتج الوطني الإجمالي.
من ناحية أخرى، ارتفعت الضغوط على البيئة والموارد في الصين تماشياً مع إطلاق مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية من دعم الصناعة الثقيلة والكيماوية وتغير هيكل الاستهلاك. وفى الواقع فقد اتخذت الصين إجراءات متعددة من اجل رفع فاعلية الطاقة وتخفيف شدة استهلاكها وانبعاث الملوثات.
وقال "بيرت هوفمن" العالم الاقتصادي الرئيسي في المكتب الصيني للبنك العالمي "أننا نثق بأن الصين ستصبح نموذجاً للدول النامية وستقدم مساهمة هامة للتنمية العالمية المستدامة في حال نجحت في بناء المجتمع". وهذا وإن دل فإنه يدل على أهمية ومكانة الصين دولياً لإعطاء النموذج والقدوة للعالم في إنجاز عملية التنمية المستدامة بكافة جوانبها وأبعادها.
وأخيراً، ينبغي علينا التأكيد على أهمية موضوع التنمية المستدامة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل والبيئية خاصة في الصين، باعتباره المارد الأصفر العملاق الصاعد بقوة في العالم، لذا يتعين على الصين بل والعالم بأسره تبنى أجندة دولية لمواجهة القضايا الهامة الخاصة بحماية البيئة والتقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وذلك للنهوض بالمجتمعات المحلية، وتأهيل مواطنيها للعمل تحت أي ظروف سواء كانت مواتية أو غير مواتية.
|
جميع الحقوق محفوظة |