التنمية الريفية فى مصر بين الطموح والتحديات |
|
تشير التنمية الريفية لعملية تحسين نوعية الحياة والرفاهية الاقتصادية للناس الذين يعيشون في الريف أو الاستصلاح الزراعى. وتهدف التنمية الريفية إلى إحداث التوازن بين الريف والحضر وضرورة وصول التنمية إلى كل قرية ونجع فى جميع محافظات مصر بالإضافة إلى تقديم الخدمات اللازمة للطبقات محدودة الدخل من أبناء الشعب •ويساهم القطاع الزراعي بنحو 15% في الناتج المحلي الإجمالي وبما يزيد على 30%من فرص العمل، وفي نفس الوقت، يعيش نحو 57% من إجمالي السكان في مصرفي المناطق الريفية التي يسود فيها الفقر، كما يعيش 70% من الفقراء المدقعين في المناطق الريفية. وبالنسبة للسكان الذين يعيشون في الوجه القبلي - والبالغ نسبتهم 25%من إجمالي عدد السكان، فإن 66% منهم فقراء مدقعين، و51%منهم فقراء و31%قريبين من خط الفقر. وفي ضوء واقع الاقتصاد المصري هذا، وفي ظل التغيرات المناخية المتوقعة فإن دفع التنمية الزراعية والريفية المستدامة قَدُمًا،كوسيلة للحد من الفقر وانعدام الأمن الغذائي يعد شرطًا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ومن ثم يجب اعتبارها أولوية اجتماعية وسياسية في مصر. رغم أنه يعمل في قطاع الزراعة 30% من السكان النشطين اقتصاديا. هناك تناقض واضح بين كبر حجم قوة العمل التي تعمل في الزراعة وبين مستوى إسهامها في الاقتصاد المصري الذي يتضح من انخفاض مستوى الإنتاجية، وتعتمد أعداد كبيرة من الأسر الريفية على الزراعة والإنتاج الزراعي ومع هذا نادرًا ما تعتبر الزراعة المساهم الرئيسي في توليد دخلها. ووفقًا لمصادر الدخل، يشكل الدخل المتولد من الإنتاج الزراعي )الماشية والمحاصيل( ما بين 25- 40% في المتوسط من إجمالي الدخل الريفي. وتتسم بنية الريف والزراعة فى مصر بالازدواجية المتميزة حيث يوجد ريف تقليدى فى مناطق الأراضى القديمة بالوادى والدلتا، وريف حديث نشأ فى المناطق المستصلحة حديثا، ومن ثم انقسمت البنية الزراعية بالاختلاف والتنوع، من قطاع تقليدى يسود فى نحو 5.5 مليون فدان تنتشر فى الأراضى القديمة بالوادى والدلتا، وقطاع مختلط لكن تتوافر فيه مقومات حديثة للزراعة، وبعضها مشروعات شديدة التطور تنتشر فى نحو 3 ملايين فدان من أراضى الاستصلاح الحديثة. يصرح المسئولون الحكوميون أن مصر تجعل تحسين أحوال الريف هدفا محوريا من خلال سياسات عمل وبرامج تتمثل في التوسع في الأنشطة التسويقية والتصنيعية للمدخلات والمنتجات الزراعية في المناطق الريفية، وتخطيط مناطق التوسع الزراعي الجديدة علي أساس إقامة مجتمعات زراعية صناعية خدمية متكاملة، ودعم وتنمية الحرف والصناعات الريفية الصغيرة بما يسهم في خلق فرص جديدة للعمل، وتعظيم استفادة المزراعين من المخلفات الزراعية، بالإضافة لدعم وتطوير مؤسسات صغار المزارعين وبخاصة في مجالات التعاون والإرشاد والإقراض والتسويق الزراعي، وتفعيل دور المرأة في مختلف مجالات التنمية الريفية. علاوة على حث القطاع الخاص المصري علي الاستثمار الزراعي خارج الأراضي المصرية وهناك إجراءات تم اتخاذها لاستزراع مليون فدان بمشروع الجزيرة في السودان الذي يعتبر نموذجا لدعم التعاون بين البلدين في التنمية الزراعية والتصنيع الزراعي. وهو مثال يجب أن يحتذى به باقي دول حوض النيل للاستغلال الأمثل لمياه النيل وتحقيق الأمن الغذائي لصالح شعوبها في ظل مواجهة التقلبات في أسعار المحاصيل الزراعية والتغيرات المناخية عالميا.كما أن وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي في سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح تضع في اعتبارها توفير التقاوي التي أنتجتها الوزارة وتمثل نسبة 50% من احتياجات الفلاح في مصر والتي تعطي انتاجا عاليا يصل الي 3.5 طن للفدان، وكذلك تضع الوزارة في اعتبارها إقامة العديد من صوامع الفلاح التي يمكن أن توفر 20% فاقدا في سلسلة تداول القمح. لكن يواجه التنمية الزراعية فى مصر عدة تحديات منها: أن معظم مشاريع التنمية الريفية المنفذة فى مصر اتسمت إلى حد كبير بالتجزئة وعدم الاستدامة، فغالبا ما كانت تضيع أهداف تلك المشاريع مع انتهاء تمويلها، بالإضافة إلى ضعف الإطار المؤسسى التى تمت خلاله تلك المشروعات.والوصول الى التنمية الريفية المتكاملة يستلزم تطبيق حزمة من التدابير المتوازنة ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولتطبيق هذه الحزمة لابد من تقييم الوضع الحالى وتحديد التحديات القائمة، وهذه الحزمة تختلف من إقليم لآخر وفقا للاحتياجات. ومن الضرورى أن يستند تحقيق التنمية الريفية إلى الاستدامة البيئية للموارد الطبيعية، والاستدامة المؤسسية ومرونة الوحدة المعيشية والمجتمع من خلال المشاركة النشطة من سكان المناطق الريفية وإشراك المجتمع المدنى فى عملية صنع القرار، وتحقيق اللامركزية فى الوظائف المختلفة فى سائر مستويات التسلسل الهرمى الإقليمي، وهو مالم يتحقق بعد. وذلك إلى جانب ضعف الإطار المؤسسى والتشريعى وغياب دور التعاونيات الزراعية وغياب التجميع الزراعى والدورة الزراعية ومشاكل شراء المدخلات من بذور وتقاوى وأسمدة ومبيدات، ونقص مياه الرى. ويمكن التغلب على تلك العقبات بتحديد الأولويات واتخاذ خطوات تتمثل فى: تحسين كفاءة نظام الري وتخفيض المساحات المزروعة أرزً احتى يمكن توفير 12,4 مليار متر مكعب من المياه بحلول عام 2030 وتغيير التركيب المحصولي بشكل تطوعي. الحفاظ على الأراضي الزراعية وحمايتها والتوسع في المناطق المستصلحة لتجنب المزيد من التعدي على الأراضي ذات التربة عالية الجودة المتاحة للزراعة، ويجب على الحكومة التدخل لوقف تبوير الأراضي الصالحة للزراعة بالقضاء على فساد موظفي الحكومة الذين يغفلون هذه الانتهاكات أو يتواطئون معها، وإجراء مسوح دورية للتربة لاتخاذها كأساس لتحديد معدلات استخدام الأسمدة، وإجراء الترميم والصيانة المستمرة لنظم الصرف الزراعية، وإقامة نظم للصرف للمناطق المحرومة منها. النهوض بالإنتاجية والقدرة التنافسية للمنتجات الزراعية من خلال الإلمام بالأساليب الفنية الحديثة والمتقدمة التي تدعم الكفاءة الاقتصادية للإنتاج الزراعي، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة بهدف خدمة القطاع الزراعي، وتطوير الخدمات التسويقية والأسواق الزراعية، وشراء المحصول من الفلاح بسعر عادل، وتطبيق الأساليب الحديثة في متابعة وتحليل والتنبؤ بالمخاطر الطبيعية والفنية والتسويقية من خلال إنشاء وحدة خاصة لإدارة المخاطر الزراعية، وتفعيل وتقوية دور الحكومة في ممارسة الرقابة على مستويات جودة كل من المدخلات والمنتجات، وحظر الاحتكار والغش، وتنمية قطاع مصائد الأسماك، والتوسع فى الاستزراع السمكى. تحسين مناخ الاستثمار الزراعي: وذلك بتسهيل عملية تخصيص مناطق الاستصلاح الجديدة، وإنشاء إدارة واحدة تتألف من ممثلي كافة الوزارات المعنية التي يتعامل معها مباشرة المستثمرون ورجال الأعمال، ومراجعة قوانين وإجراءات تخصيص الأراضي، وكذلك مراجعة سياسات منح الائتمان والإقراض، قيام وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بإعداد خريطة استثمارية واضحة للزراعة. تطوير عملية نقل التكنولوجيا المستندة على الأبحاث: وضرورة تحقيق تنسيق قوي بين مؤسسات البحوث الزراعية في إطار خطة قومية للبحوث تحدد مجالات البحوث وموازناتها، والتنسيق والتعاون بين الجامعات ومؤسسات البحوث المتخصصة. الاستغلال الأفضل للمخلفات الزراعية مثل إقامة مشروعات صغيرة للتصنيع الزراعي في المناطق الريفية وشبه الحضرية، مما يخلق فرص عمل جديدة في المجتمعات الريفية، واستخدام المخلفات لتسميد التربة في الأراضي المستصلحة، ويمكن أيضا استخدام المخلفات كبديل لإنتاج الأعلاف وبالتالي التقليل من استيراد هذه الأعلاف، وخلق مصادر جديدة للطاقة المتجددة من الغاز الحيوي والايثانول وغيره، لحماية البيئة من التلوث. التمثيل السياسى العادل للعاملين بالقطاع الزراعى ينبغى السعى لتحسين تمثيل الفلاحين سياسيا وذلك بإنشاء نقابات تعبر عنهم، وتحديد القانون لمن تتوافر به صفة " فلاح" ويحق له الترشح على فئة عمال وفلاحين فى الانتخابات البرلمانية، والحيلولة دون استغلال ذوى النفوذ ثغرات القانون لترشحهم دونما تمثيل حقيقى للفلاحين، ويجب توسيع مشاركة الفلاحين فى صنع القرارات وصياغة القوانين التى تنظم العمل بالزراعة، باعتبارهم أصحاب الشأن. إن التنمية لا تأتي تلقائيا ولابد من وجود إرادة تسعى لإعمالها وفق خطة محددة، وخطوات متكاملة، وتنسيق وتضافر جهود المؤسسات المعنية، للنهوض بكافة عناصر الإنتاج الزراعى، ورعاية العاملين فى قطاع الزراعة اجتماعيا وصحيا، من أجل توفير الاحتياجات الغذائية لمصر وتحقيق الاكتفاء الذاتى. |
جميع الحقوق محفوظة |