التنمية المحلية: نظرة على المفهوم |
|
إن التنمية المحلية كما جاء في تقرير التنمية البشرية لسنة 2003 هى” إنجاز عمليات كمية أو نوعية هادفة إلى تحسين مستديم للظروف المعيشية لسكان مقيمين في مجال محدد على الأصعدة المؤسساتية والجغرافية أو الثقافية"، فهى مسلسل تشاركي وديناميكي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الجماعية، يعتمد على تعبئة ومسؤولية تجمع سكاني محلي منظم ومدعم من خلال عمليات قطاعية منسقة ويندرج إنجاز التنمية المحلية ضمن منطق عمل ينطلق مما هو محلي، مرتكز على الإمكانيات الداخلية لمجال معين، ومدمج لفاعلين قطاعيين ومحليين في إعداد برامج ومخططات التنمية المحلية. فالتنمیة المحلیة هي عملیة تنویع وإغناء الأنشطة الاقتصادیة والاجتماعیة على مجال ترابي معین، من خلال تعبئة وتنسیق مواردها وطاقاتها، ووفق تعريف برنامج الأمم المتحدة الانمائى "هى ثمرة إنجاز يهدف إلى تحسین ظروف عیش السكان القاطنین في فضاء معین، وذلك بكیفیة مستدامة على المستویات المؤسساتیة أو الجغرافیة أو الثقافیة".
والمجال الترابي يقصد به أنه بناء جماعي یرتكز على تثمین الموارد المحلیة والتحكم في مختلف المنظومات ذات الصلة والتنسیق بین مجموع الفاعلین مثل المؤسسات الإداریة، والسیاسیة، وغیر الحكومیة على مختلف المستویات أنها عملیة متعددة الأبعاد تمس جمیع مكونات المجتمع المحلي، وتتم على أمد طویل، وفضاء في طور البناء.
ويعتمد مفهوم التنمية المحلية علي عدد من المعايير التي يجب توفرها مثل اشراك القطاعات الفاعلة في الوسط الجغرافي المحلي، واستحداث نظم ومؤسسات للشراكة، دراسة المجال المحلي وتحليله، ووضع برامج عمل علي ذلك الأساس، التخلص من مركزية قرارات التنمية وتمركزها في مناطق معينة. وقد أضافت الأزمة المالية العالمية إلى الأذهان مفهوم التنمية المحلية بأبعاد جديدة وأصبح موضوع اهتمام للعديد من الباحثين والعلماء في مجال البحث الاقتصادي والاجتماعي.
ويعتبر مفهوم التنمية المحلية مفهوماً فكرياً جديداً نسبياً، ازداد الاهتمام به بعد الحرب العالمية الثانية ووضعت حوله العديد من النظريات. وتتبلور عناصر المفهوم فى نقطتين هما: المشاركة الشعبية فى جهود التنمية المحلية، وتوفير مختلف الخدمات ومشروعات التنمية المحلية.
ويرجع انتشار أفكار التنمية المحلية إلى التزامن مع تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتنامي الفوارق بتعاظم هجرة القرويين نحو المدن التي شهدت بدورها نمو أحياء السكن غير اللائق مع ما يطرح ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية (التشغيل، الجريمة، والاحتجاجات الشعبية...) ولمواجهة هذه التحديات، يبدو أن تقريب المجتمع من نفسه هو الدواء الملائم لمواجهة انخفاض فعالية الدولة، وتراعي التنمية المحلية ثلاثة جوانب أساسية:
الجانب المؤسسي: ويهم طبيعة التنظيم الإداري والسياسي للبلاد: أقاليم، جهات، ولايات، وجماعات.
جانب الإمكانيات والمؤهلات: سواء منها الطبيعية أو كل ما يتعلق بالخصائص والموارد الجغرافية والاقتصادية لجماعة محلية ما. لأن هذه المؤهلات هي التي تعطي للجماعات شخصيتها، وعلى أساسها يمكن التمييز بين جماعة قروية وجماعة حضرية.
الجانب التاريخي: ويتعلق بالعناصر المشتركة: التقاليد، الأعراف، الثقافة والهوية الاجتماعية لجماعة محلية ما.
وللتنمية المحلية عدة أبعاد هى: البعد الاقتصادى وذلك عن طريق النشاط الاقتصادى الذى تتميز به المنطقة، واستقطاب أصحاب رؤس الأموال للاستثمار فى المنطقة وتوفير الخدمات بها وامتصاص البطالة، والبعد الاجتماعى الذى يركز على أن الإنسان جوهر التنمية، وهدفها النهائى من خلال الاهتمام بالعدالة الاجتماعية، وتوفير الخدمات الاجتماعية ومشاركة أصحاب الشأن فى اتخاذ القرارات التى تخصهم، والبعد البيئى الذى يدمج مواجهة المشكلات البيئية العالمية مثل الاحتباس الحرارى والتصحر ونقص المساحات الخضراء، والأمطار الحمضية فى التخطيط الإنمائى للدول. ويركز البعد البيئى للتنمية المحلية على مراعاة الحدود البيئية بحيث يكون لكل نظام بيئى حدود معينة لايمكن تجاوزها من الاستهلاك والاستنزاف.
وقد أجمع الباحثون على التمييز بين ثلاثة أنوع من التنمية المحلية:
أ - التنمية المحلية الداخلية: وتهدف إلى استغلال كل الموارد الذاتية الممكنة وتعبئتها من أجل تحقيق تنمية ذاتية ومحلية.
ب - التنمية المحلية القائمة على التضامن: نظرا للتفاوت الحاصل ما بين الجماعات المحلية من حيث المؤهلات، ينطلق هذا النوع من التنمية المحلية من تصور مفاده أن عملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي لا يتم إلا عبر مقاربة تشاركية كمدخل ضروري للتفاعل والاندماج ما بين الجماعات المجاورة.
ج - التنمية المحلية المندمجة: تتوخى تجاوز الرؤية التقليدية للتنمية التي اختزلت العنصر البشري كوحدة إحصائية وظل هاجسها هو البعد الاقتصادي. وهذه المقاربة تعيد الاعتبار للموارد البشرية لأنه لا تنمية بدون تنمية اجتماعية.
وتهدف جهود التنمية المحلية إلى ما يلي:
• تحقيق نمو متوازن يراعي اعتبارات الكفاءة الاقتصادية في توزيع الموارد والتكافؤ الاجتماعي فى توزيع ثمار التنمية.
• التركيز على المناطق الريفية للقضاء على عوامل الطرد والحد من الهجرة إلى المناطق الحضرية.
• تشجيع مزيدٍ من الاستثمارات الجديدة وزيادة مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني.
• إعطاء دفعة إلى المناطق الواعدة المتميّزة بالموارد لحل مشكلة التكدس السكاني.
لكي تتحقق التنمية المحلية بمعدلات مرتفعة وبأفضل صورة ممكنة فإنها تكون بالضرورة بحاجة إلى تدفقات للموارد المالية بشكل مستمر ومتزايد في نفس الوقت، وتعتمد التنمية المحلية بشكل كبير على التمويل المحلى ومصادر التمويل المحلي تنقسم إلى موارد مالية ذاتية منها الموارد الناتجة عن الضرائب والرسوم، والموارد الخاصة الناتجة عن تشغيل واستثمار المرافق المحلية والإعانات والقروض، أما الموارد المالية خارجية (تمويل خارجي) مثل إعانات الدولة والقروض المحلية.
إن التنمية المحلية ركناً أساسياً من أركان التنمية الشاملة، وهى مطلب أساسي لتحقيق العدالة والإنصاف، وتحقيق التوازن الجهوى بين الأقاليم، ولن تتحقق تلك التنمية إلا بتطبيق جيد للامركزية، حيث تعمل اللامركزية على إعطاء المحليات المرونة الكافية فى توزيع استثماراتها المخصّصة لكل محافظة على الأنشطة والمشروعات الاستثمارية اللازمة لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقًا لأولوياتها واحتياجاتها الفعلية وبما يتفق مع ظروف كل محافظة.
|
جميع الحقوق محفوظة |