دور التنمية المعلوماتية في تحديث المؤسسة العسكرية في الصين

 مع التطور السريع للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة والحديثة، ابتدأت الثورة العلمية الرابعة في التاريخ البشرى والمعروفة بـ "الثورة المعلوماتية"، حيث أصبحت التغيرات العسكرية الجديدة برموز التقنيات المعلوماتية أوضح ميزة في المجال العسكري في الوقت الحاضر. وأدت التغيرات العسكرية الجديدة إلى التحول الأساسي للوضع العسكري من التوجه الآلي إلى التوجه المعلوماتي، وأحدثت تأثيراً ثورياً  في تعزيز القدرات القتالية.

   وبالنظر إلى التجربة الصينية في الاستفادة من هذه الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات المتطورة في تطوير أداء المؤسسة العسكرية بها، فالملاحظ أن عدد أفراد الجيش الصيني يتخطى أكثر من مليوني جندي، في الوقت الذي يقدر فيه أعداد عناصر الاحتياط في الجيش بحوالي بخمسمائة ألف، إلى جانب ما يعرف بـ "لجان المقاومة الشعبية"، والذين يمثلون عنصراً رئيسياً في إستراتيجية الدفاع الصينية. ويمثل الاحتياط في زمن السلم عاملاً محافظاً على الاستقرار الاجتماعي. وفي زمن الحرب، يمكن نقل وحداته إلى الخدمة الفعلية. ويسعى الجيش إلى أن تصبح قوات الاحتياط أكثر مهنية من خلال تعزيز التوظيف والتدريب، والبنية التحتية.
   وإلى جانب الاحتياط، تمتلك الصين ميليشيا يطلق عليها اسم "لجان المقاومة الشعبية"، وتضم جميع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، وهم لا يخدمون حالياً في الجيش من الناحية الفنية، ويقودهم مجلس الدولة واللجنة العسكرية المركزية بصورة موحدة، وتمتلك فروع طوارئ وفروع مشاة وفروع تكنولوجيا متخصصة مماثلة لما في جيش التحرير الشعبي. وقدر الكتاب الأبيض بشأن الدفاع الوطني لعام 2004 قوام هذه اللجان بعشرة ملايين، فيما تحدث الكتاب الأبيض لعام 2008 عن خطط لخفض عددها إلى 8 ملايين في إطار خطة خمسية بدأت في عام 2006 وتنتهي في أواخر عام 2011.
 
    ولأن الحرب من وجهة نظر أكاديمية العلوم العسكرية في الصين ليست مجرد صراع عسكري، بل أيضاً مبارزة شاملة على جبهات السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والقانون، تم منذ عام 2003 تبني مفهوم الحروب الثلاث التي تهدف إلى التأثير على الأبعاد النفسية للنشاط العسكري، وتتضمن حرباً نفسية، وتسعى إلى تقويض قدرة العدو على القيام بعمليات قتالية من خلال العمليات النفسية عبر ردع معنويات العدو العسكرية وصدمها وإضعافها، في مقابل دعم السكان المدنيين. كذلك تشمل حرب الإعلام والمعلومات، والتي تهدف إلى التأثير على الرأي العام الدولي والداخلي لحشد الدعم الشعبي والدولي لجهود الصين في العمليات العسكرية، وثني العدو عن إتباع سياسات ينظر إليها على أنها معاكسة لمصالح الصين.
 
وفي هذا السياق، أكد الرئيس الصيني "هو جين تاو" في خطاب ألقاه في 8 نوفمبر لعام 2012، عن ضرورة تحسين القدرات العسكرية في الصين بأن "الصين تسعى لتحقيق التقدم والتحديث العسكري من حيث الأساس وإحراز تقدم كبير في بناء المعلوماتية في الدفاع الوطني بحلول عام 2020". وإيماناً من القيادة السياسية في الصين، بأهمية التنمية المعلوماتية في تحقيق أهداف التقدم العسكري، فقد أكد "هو جين تاو" أمام أكثر من 2200 مندوب في افتتاح المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني بأنه "يجب علينا التمسك الثابت بالمعلوماتية باعتبارها اتجاه تطور لبناء عصرنة الجيش، ودفع بناء المعلوماتية ليتطور بسرعة فائقة".
 
   كذلك يجب على الصين تعزيز الجهود لتطوير الأسلحة والتجهيزات الحديثة والفائقة التكنولوجيا، وتسريع البناء الشامل للوجستيات الحديثة، وإعداد مجموعة كبيرة وجديدة الطراز من الأكفاء العسكريين ذوي النوعية العالية، وتعميق إجراء التدريبات العسكرية في ظل الظروف المعلوماتية،وتعزيز القدرة القتالية الشاملة القائمة على أساس الأنظمة المعلوماتية، كما يتعين على الصين تطبيق السياسة الإستراتيجية العسكرية في العصر الجديد والمتمثلة في الدفاع الإيجابي، وتعزيز الإرشادات الإستراتيجية العسكرية بما يواكب العصر. وفقاً لما ذكره "هو جين تاو".
 
   أن الجيش الصيني يعمل كقوة ثابتة لحماية السلم العالمي، والعمل على تعزيز التعاون العسكري وزيادة الثقة العسكرية المتبادلة مع دول العالم والمشاركة في الشؤون الأمنية إقليمياً ودولياً ولعب دور إيجابي على الصعيدين السياسي والأمني الدوليين. لذا فتعمل الحكومة الصينية على إيلاء الاهتمام البالغ بالأمن البحري والأمن الفضائي والأمن الشبكي، والتخطيط الإيجابي للانتفاع بالقوات العسكرية في الفترات السلمية، والتوسيع والتعميق المتواصلين للاستعدادات لخوض النضال العسكري، ورفع القدرة على أداء المهام العسكرية المتعددة الأنواع ، والمتمحورة في كسب النصر في الحرب الجزئية في عصر معلوماتي.
 
    إن بناء الدفاع الوطني الوطيد والجيش القوي اللذين يتناسبان مع المكانة الدولية للصين، ويتلاءمان مع مصالح الأمن والتنمية الوطنية يمثل مهمة إستراتيجية لبناء التحديثات في الصين. كذلك أضحى يتعين على الصين المثابرة على اتخاذ دفع التنمية العلمية للدفاع الوطني وبناء الجيش كموضوع أساسي، واتخاذ التعجيل بتحويل نمط إعداد القوة القتالية كخط رئيسي، للتعزيز الشامل في بناء ثورية الجيش وعصرنته ونظاميته. 
 
 فالحكومة الصينية تؤكد دوماً بأنه "لا بد لنا من التمسك بلا تزعزع بقيادة الحزب الشيوعي الحاكم المطلقة للجيش، والمثابرة على تسليح كل الجيش بمنظومة النظريات للاشتراكية ذات الخصائص الصينية". مع التأكيد على أن الصين تنتهج سياسة دفاعية للدفاع الوطني. ويكمن الهدف من تعزيز البناء الدفاعي للصين في "صيانة سيادة الدولة وأمنها وسلامة أراضيها وضمان التنمية السلمية للبلاد".
 
   وذلك مع اعتبار المفهوم العلمي للتنمية سياسة مرشدة هامة لتعزيز الدفاع الوطني وبناء الجيش الصيني، وذلك يحتاج أيضاً إلى الاعتماد على التقدم والإبداع العلمي، وتعجيل تحويل موضة نشوء القدرة القتالية. وتبقى هذه المسألة الحاسمة للجمع بين وضع المفهوم العلمي للتنمية ودفع التغييرات العسكرية الصينية ذات أهمية بالغة، وأيضاً لا يجب إغفال الطلب الضروري لبناء الجيش الموجه للمعلومات وإحراز الانتصار في الحرب المعلوماتية للصين.
 
   وعلى مدى السنوات الماضية، واصل الجيش الصيني تحوله الشامل من جيش كبير مصمم لحروب الاستنزاف الطويلة على أراضيه، إلى جيش "معلوماتي" قادر على الفوز في قتال قصير الأجل ضد خصوم يتمتعون بتكنولوجيات عالية.
 
    ومن الملاحظ، أن نطاق تحول قدرات الصين العسكرية ووتيرته قد ازدادا في السنوات الأخيرة بفضل اقتناء الأسلحة المتطورة، سواء المحلية أو الأجنبية، ومواصلة إتباع معدلات مرتفعة للاستثمار في دفاعها الداخلي وصناعات العلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى الإصلاحات التنظيمية والعقائدية البعيدة المدى للقوات المسلحة، فضلاً عن إدخال تقنيات عسكرية متطورة، بما في ذلك القدرات النووية وتكنولوجيا الفضاء.
 
   وكجزء من جهودها الطويلة الأجل والشاملة للتحديث العسكري، تابعت الصين الاستثمار في الصواريخ النووية العابرة للقارات وتقنيات تدمير الأقمار الصناعية. وطورت أعداداً كبيرة من الصواريخ البالستية القصيرة المدى التي قدّر عددها بحدود ألف ومائة وخمسين صاروخاً عام 2008، مع سعيها إلى امتلاك مئة صاروخ جديد كل عام.
 
هذا إضافة إلى صواريخ كروز متوسطة المدى من طراز "دى اتش- 10" و "يي جي63"، إضافة إلى غواصات هجومية جديدة مجهزة بأسلحة متطورة من طراز "أس أس أن 27 بي" و "أس أس أن 22".
 
   وعززت الصين أيضاً أنظمة الحرب الإلكترونية وقدرات الهجمات الإلكترونية. كذلك عززت أجواءها بأحدث المقاتلات العسكرية الروسية من طراز "سوخوي 27" و "سوخوي 30"، إلى جانب الطائرات المصنعة محلياً من طراز "جاي 10".
 
   وتماشياً مع الرغبة الصينية في بناء الجيش المعلوماتي وكسب النصر في الحرب المعلوماتية، اتخذت الصين منذ عام 2003، قراراً بإعادة خفض أفراد الجيش بمقدار 200 ألف جندي قبل عام 2005، ليصبح عدد أفراد الجيش الإجمالي 2.3 مليون. وبالتزامن مع هذا الخفض، أطلقت الصين، إدراكاً منها لنقاط ضعفها، برنامجاً استراتيجياً لتدريب الأفراد يتضمن مرحلتين، تتنهي المرحلة الأولى عام 2011، على أن تمتد المرحلة الثانية حتى 2020.
 
   ويركز البرنامج على التأهيل الوظيفي في الأكاديميات العسكرية بهدف "امتلاك صف من ضباط القيادة الذين يستوعبون فن قيادة الحرب المعلوماتية وبناء الجيش المعلوماتي"، وتعزيز القدرة على وضع خطط خاصة ببناء الجيش وتحديث وتطوير الأسلحة والتجهيزات العالية التطور والتغلب على المشاكل التكنولوجية الرئيسية.
 
     وتتميز الصين بتركيزها على شراء التكنولوجيات التي تدخل في الصناعة العسكرية أكثر من تركيزها على شراء المعدات، ما يسمح لها بتطوير هذه التكنولوجيات وإنتاج معداتها لمصلحتها مع إمكانية تصديرها إلى بعض الدول. وهو ما يمثل هواجس كبيرة، لا للولايات المتحدة فقط بل لروسيا أيضاً، وفقاً لما أكده "فياتشيسلاف دزيركالن" نائب مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني.
 
    ونستنتج مما سبق، أن الصين تحاول تحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا المعلوماتية المتاحة، واستخدام التقنيات المعلوماتية لتعزيز القدرات القتالية للجيش الصيني مما يدفع نحو الارتقاء بالقدرات والمعارف العسكرية الجديدة، ويرفع فعاليات الأسلحة والمعدات ونوعية العاملين فيها، ويتيح وسائل تعليم وتدريب أكثر فعالية. بما يعد في النهاية مؤشراً رئيسياً لتقدير وضع فعاليات النظام العسكري أيضاً، وذلك له أهمية عظمى بالنسبة إلى التنمية العسكرية في الصين.
 


جميع الحقوق محفوظة
تصميم وتطوير شركة الحلول المتكاملة
ps-egypt.com