التنمية المستدامة في الإسلام |
|
مما لا شك فيه إن من ينظر إلى الإسلام نظرة متفحصة عادلة، سيجد أن الإسلام عالج قضايا البيئة بنظرة شمولية متكاملة، وذلك دون الدخول في التفاصيل، وصدق الله العظيم، حيث يقول في كتابه الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {مَا فرطنا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء} (سورة الأنعام الآية (38).
ومن ضمن القضايا التي عالجها الإسلام قضية التنمية المستدامة (Sustainable Development)، والتي تعني في أبسط معانيها تلك التنمية التي تحقق حاجة الأجيال الحاضرة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق حاجاتها".
وبعبارة أخرى يمكننا القول بأن التنمية المستدامة هي تلك التنمية التى تسعى إلى ضمان جودة الحياة للأفراد والجماعات وذلك من خلال التنمية الاقتصادية، ولكن دون إلحاق أية أضرار بالبيئة، ودون المساس بموارد الأجيال القادمة. فالتنمية المستدامة تجمع بين التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والثقافي مع المحافظة على البيئة في نفس الوقت.
ومن هنا يثور التساؤل الآتي هل الإسلام عرف التنمية المستدامة بهذا المعنى؟ هناك العديد من الآيات القرأنية والأحاديث النبوية، التي تحث على المحافظة على البيئة، وعلى تحقيق التنمية المستدامة، ولن نخوض في تلك الآيات أو تلك الأحاديث، ولكننا سندلل على معرفة الإسلام بالتنمية المستدامة، وحثه عليها من خلال بعض القواعد والضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية، ومواقف بعض الصحابة والتي تؤكد على معرفة الإسلام بالتنمية المستدامة.
فالإسلام وضع ضوابط وقواعد ومبادئ محكمة لرعاية وحماية البيئة من التلوث والفساد، ومن أهم هذه المبادئ مبدأ درء المفاسد، حيث يمنع الإسلام إصابة الفرد والمجمتع والبيئة بأي ضرر أو أذى، وكذلك مبدأ جلب المنافع أو المصالح، حيث يحث الإسلام على تحقيق الخير والمنفعة للبشر، وإذا ربطنا بين المبدأين، لوجدنا أن الإسلام يحفز البشر على تحقيق الخير والنفع لهم (جلب المصالح)، ولكن دون حدوث ضرر بالفرد أو المجتمع أو البيئة (درء المفاسد).
ومما لا شك فيه أن هذا ما هو إلا تعريف للتنمية المستدامة في أبسط معانيها، والتي كما قلنا هي تحقيق التنمية أيا كانت نوعها، دون المساس بالبيئة ودون الإضرار بموارد الأجيال القادمة.
وكما نعلم أن الهدف الأساسي للتنمية المستدامة تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بموارد الأجيال القادمة، ولعل ذلك كان واضحاً في قصة الأراضي المفتوحة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث عارض بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- قسمتها عليهم حتى يبقى ريعها ونفعها للأجيال القادمة، وهذا الرأي هو الذي اهتدى إليه سيدنا عمر.
فإذا نظرنا إلى هذه القصة، لنجد أنه مما لا شك فيه أن القسمة على الفاتحين تكون في مصلحتهم، ولكن النظر البعيد والمستقبل المديد، هو الذي رجح وجهة نظر سيدنا عمر ومعه جمع من الصحابة بعدم تقسيم هذه الأرض حفاظاً على موارد الأجيال القادمة، أليس في هذه القصة ما يؤكد مراعاة الإسلام لحقوق وموارد الأجيال القادمة، أليست هذه هي التنمية المستدامة.
في النهاية لا يسعنا إلا نقول إذا كان مفهوم التنمية المستدامة مفهوما حديثاً، ومصطلحاً جديداً، ظهرت فكرته في مؤتمر ريودي جانيرو عام 1992، فإن الإسلام قد أمر بها منذ أكثر من ألف وربعمائة عام، ولعل أهم ما يميز فكرة التنمية المستدامة في الإسلام هي أنها مرتبطة بالوحي الإلهي، ولذا فهي محاطة بضمانات ربانية وسنة نبوية، حيث قال صلى الله عليه وسلم: [تركت فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
|
جميع الحقوق محفوظة |