تنمية المواطنة فى مصر بعد ثورة 25 يناير |
|
تعرف المواطنة بأنها صفة المواطن والتى تحدد حقوقه وواجباته الوطنية، ويعرف الفرد حقوقه ويؤدى واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتتميز المواطنة بنوع خاص بولاء المواطن لبلاده وخدمتها فى أوقات السلم و التعاون مع المواطنين الآخرين فى تحقيق الأهداف القومية، مع إقرار المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز.
وقد جسدت الثمانية عشر يوما منذ 25 يناير 2011 وحتى تنحى الرئيس فى 11 فبراير، مثال على شعور المواطنين بحبهم للوطن وانتماءهم الأول لمصر والتجرد من الانتماءات السياسية والحزبية، وتأتى مشاهد ترديد هتافات الثورة من الجميع مسلمين وأقباط، رجال ونساء، ليبراليين ويساريين وإسلاميين، وحماية المسيحين للمسلمين أثناء الصلاة، وتبادل الأدوار لحماية الميدان والمعتصمين، والمبيت فى الخيام، والتعرض للعنف سويا فى موقعة الجمل 2 فبراير، وغيرها من المواقف كتجليات للمواطنة والشعور بالشراكة فى الوطن والمصير الواحد. وكانت الشعارت ذات طابع وطنى وليس فئوى أو طائفى مثل : "خليك جنبى وقرب منى مصر يا غالية يا ساكنة الننى "، "مصر فوق العادة وبكرة تزيد شباب وريادة"، "الدين لله السميع ومصر أم الجميع "، "لو إيدنا فى إيد بعضينا مصر هتكبر بينا "، وغيرها من الشعارات الوطنية.
لم تستمر هذه الصورة من التلاحم والاندماج بين مكونات الوطن لوقت طويل، وبدأت الأزمات تطل على المشهد سواء فى طابعها الطائفى أو الاجتماعى والاقتصادى والسياسى. وتتمثل أهم مشكلات المواطنة فى انتشار البطالة، والفقر، وانخفاض الأجور وغلاء الأسعار، وتدنى مستوى الخدمات الاجتماعية والصحية، وأزمة الإسكان وزيادة المناطق العشوائية، وانتشار الجرائم مثل الاعتداء على المواطنين، وترويعهم وسرقتهم، وتراخى القبضة الأمنية، والاعتداء على المنشآت العامة، والمناوشات بين مسلمين وأقباط فى بعض المناطق، ومحاولات إشعال الفتنة الطائفية، وتهميش المرأة والشباب فى الوظائف القيادية أو التمثيل فى البرلمان، ومطالبة الشيعة بالاعتراف بحقوقهم وحرية ممارسة شعائرهم، ومطالبة البهائيين بالتمثيل فى البرلمان، ولم تكن هذه المشكلات فى مجملها جديدة وإنما هى مشكلات موروثة من العهد السابق ولكن تفاقمت بعد الثورة لتنال من حقوق المواطن وتؤثر سلبا على حياته.
يرى العديد من الخبراء أن المراحل الانتقالية عقب الثورات تسودها الضبابية، ولكن على الدولة إعادة بناء المواطنة، وتأسسيس علاقة مع المواطنين تقوم على المساواة وحقوق المواطنة لتحظى بالشرعية، وهى مسئولية مشتركة بين عدد من مؤسسات الدولة، والتنشئة السياسية،والإعلام والمجتمع المدنى، والمواطن، وذلك على النحو التالى :
دور الدولة: توفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية التى تحقق إشباع احتياجات المواطن : وذلك عن طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى يستفيد منها جميع المواطنين دون استثناء، وقد تكون بالشراكة مع القطاع الخاص، ورفع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين على المستويات المختلفة مثل الريف والحضر، الوجه القبلى والوجه البحرى، الأغنياء ومحدودى الدخل، والاهتمام بجودة خدمات التعليم، الرعاية الصحية،والتأمين، والضمان الاجتماعى.
سيادة القانون : تعد سيادة القانون واستقلال القضاء هى الضامن الأساسى لحقوق المواطن، فسيادة القانون لا تتطلب فقط توفير الضمانات الكافية ضد سوء استخدام السلطة من قبل الجهاز التنفيذى، بل أيضا وجود حكومة فعالة قادرة على المحافظة على القانون والنظام، وتوفير أحوال معيشية أفضل للمجتمع. إن الأعمال التى تنفذها السلطة التنفيذية يجب أن تكون دوما ضمن القانون، وكذلك أن تخضع فى كل ما يتعلق ويؤثر تأثيرا مباشرا على الأفراد و ممتلكاتهم أو على حقوقهم إلى المراجعة القضائية. وفى الحالات التي يلحق أى من المواطنين أى ضرر نتيجة لتصرفات السلطة التنفيذية يجب أن يُمنح الوسيلة القانونية لإزالة الضرر، إما باتخاذ إجراء قضائي ضد الدولة أو الفرد المسبب للضرر.
إعادة دمج المواطن فى المجتمع السياسي : يتكون المجتمع السياسي من دولة من جهة وجماعة سياسية تضم المواطنين من جهة أخرى، يجب ألا يجور طرف على آخر، وإنما تكون العلاقة علاقة تفاعل ومشاركة، فالدولة يجب أن تعبر عن إرادة المواطنين، وتعمق الحوار المجتمعى.
استيعاب الشرائح والفئات المختلفة فى أبنية الدولة : لا تستطيع دائرة العمل السياسي فى بعض النظم استيعاب فئات نوعية وشرائح اجتماعية وأجيال عمرية مختلفة، لذا تصبح دائرة العمل السياسي قاصرة على فئات وشرائح وأجيال بعينها متقاربة فى المصالح والأعمال والانتماء الاجتماعي بحيث تكون هذه الدائرة شبه مغلقة، ومن ثم فان المشاركين من خلالها يصبحون هم المواطنون وعليه فان حقوق المواطنة تكون مقصورة على عناصر بعينها، مما يؤدى إلي استبعاد الشرائح والفئات الأدني فى السلم الاجتماعى، وعليه يجب توسيع نطاق المواطنة وتوجه مستواها ليشمل جميع فئات المجتمع.
تفكيك العصبيات القبلية لصالح الانتماء الوطنى : تتجاوز المواطنة الأشكال الأولية للتجمع البشرى مثل الطائفة و العائلة والعشيرة حيث تصبح المصلحة المشتركة هى المعيار الرئيسى الذي يحكم حركة الجماعة بينما الارتداد لدولة ما قبل المواطنة يترتب عليه ظهور الأشكال الأولية للتجمع البشرى والنزعات الطائفية بما يهدد المجتمع و يتأتى ذلك من خلال التضمين، ويعنى الشكل الذى يكون فيه الأفراد مرتبطين بالنظام الاجتماعي و السياسي و يستجيبون للالتزامات التى ترتبها أدوارهم الاجتماعية.
دور مؤسسات التنشئة السياسية : أن تضم البرامج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات الدراسية التى تركز على مفاهيم الولاء والانتماء للوطن، والمساواة بين أفراده، وقيم المواطنة مثل التسامح وقبول الآخر، واقتران ذلك ببعض البرامج التطبيقية. وتعليم التلاميذ كيف يصنعون القرارات بأنفسهم أثناء مناقشتهم للمشكلات من حولهم، ويحولون هذه القرارات إلى أعمال، ثم صنع القرار وتطبيقه. فهم بذلك يصنعون قرارات فعالة في خدمة أنفسهم ومجتمعهم، وتمكينهم من امتلاك مهارات البحث الضرورية للحياة، ولتحمل المسؤولية الاجتماعية، والمشاركة الفعالة في الشؤون الاجتماعية والبشرية من حولهم.
دور وسائل الإعلام : وسائل الإعلام من أهم العوامل المؤثرة فى حياة المجتمعات والأمم، وتكوين فكرها، والتأثير فى قيمها وسلوكها وأخلاقها، ويكمن دور الإعلام فى دعم المواطنة بإتباع سياسة إعلامية متحررة من القيود السياسية والبيروقراطية، وتتسم بالمهنية وتعزز حق المواطن فى الحصول على المعلومات، ولا تنحاز لرؤى السلطة ومواقفها وتبريراتها للسلوكيات التى تنال من حقوق المواطنين، ويجب على وسائل الإعلام طرح قضايا المواطن وفئات المجتمع المهمشة بشفافية، وتوصيل صوتها للمستويات المختلفة، وأن تصبح منابر لتداول وجهات النظر المتعددة وإسماع الأصوات المختلفة فى صوء قيم حرية الرأى والتعبير احترام الآخر.
دور المجتمع المدنى : تُشارك مؤسسات المجتمع المدنى في تحقيق الكثير من المهام والوظائف الاجتماعيّة، التى عجزت أو تخلّت الدولة عن القيام بها، وعلى المجتمع المدنى ممارسة الأنشطة التى تؤسس لثقافة التسامح والاختلاف؛ ويغرس في الفرد الإيمان الفعلي بالمواطنة ؛ وأن يأخذ على عاتقه استيعاب طاقات المجتمع وبلورة كفاءاته وقدراته، ويساهم في معالجة المشكلات التي يمر بها المجتمع.ولا يكفى خلق عدد كبير من جمعيات المجتمع المدني بقدر ما ينبغي الحرص على أن تساهم هذه الجمعيات في تعميق وبلورة فعلية لمفهوم المواطنة.
دور المواطن : من الخطأ تصور أن تنمية المواطنة يقع عل عاتق الدولة أو المؤسسات فقط ، وإنما للمواطن دور، ولن تنجح بدونه أية إستراتيجية لتعزيز المواطنة، على المواطن أن يكون فاعل إيجابى ومتعاون، ويشارك ويساهم فى قضايا المجتمع المطروحة، وذلك بأن يسعى لمعرفة حقوقه وواجباته كمواطن، واحترام مؤسسات الدولة ومنها على سبيل المثال الجيش والشرطة والنظام القضائي، فاحترام هذه المؤسسات واحترام دورها المنوط بها والتعاون معها في أداء واجبها يعني احترام الوطن ككل، وأن يتعلم كيف يطالب بحقوقه المشروعة وأن يناضل للحصول عليها فى إطار يخدم المصلحة العامة ولا يتعارض مع مصالحه الشخصية. فالمواطنة تقوم على تعاون و تفاعل وطيد بين أفراد واعين و متشبعين بقيم البناء المدني والقيم المعنوية والأخلاقية، و يتحلون بجملة من المعارف و لديهم أدوات النقد و التحليل و التقييم و ممارسة الرقابة وقبولهم باختلافات الأفراد الدين يشاركونهم نفس المجال الطبيعي.
إن بناء جسور المواطنة هى مهمة شاقة، تستغرق الكثير من الجهد، ولن تقوم بها مؤسسة بمفردها وإنما تتم بتكاتف مؤسسات الدولة والتنشئة السياسية، والإعلام، والمجتمع المدنى مع المواطنين، وتتطلب الإيمان بقيم المواطنة وتوافر الإرادة السياسية لتعزيز حقوق المواطنين. وتجسيد إرادتهم جميعا دون تمييز.
|
جميع الحقوق محفوظة |