إن الحق في بيئة سليمة ونظيفة هو حق الإنسان والشعوب والدول والجماعات بل والكائنات الحية الأخرى أن يعيش جميعهم في بيئة متوازنة خالية من التلويث (Contamination)، ومن التلوث (Pollution)، ومن التدهور البيئي، وبصفة عامة من أي أنشطة تؤثر بشكل غير ملائم على البيئة.
ويتميز الحق في بيئة سليمة بعدة خصائص قد تميزه عن غيره من الحقوق البيئية الأخرى، فمن ناحية أولى: فهو حق حديث نسبياً؛ حيث أن الاهتمام الدولي بحماية البيئة لم يظهر إلا في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، وبالتالي فلم يظهر الحديث عن هذا الحق إلا بعد ذلك.
ومن ناحية ثانية فهو حق ذو طبيعة مركبة، مكون من شقين (حق فردي، وحق جماعي)، فأما كونه حق فردي لأنه يعطي كل إنسان الحق في بيئة نظيفة وسليمة خالية من التلوث، ويتمتع به الإنسان بغض النظر عن الجنس، أو اللون، أو الدين، أو العرف، أو الأصل... الخ، وأما كونه حق جماعي فلأن الحق في بيئة سليمة هو حق لجميع الشعوب في المجتمع الدولي، وفي مواجهة جميع الدول، وذلك انطلاقاً من أن التلوث لا تقتصر آثاره على دولة أو منطقة بعينها، وإنما قد يكون التلوث عابر للحدود؛ حيث يوجد مصدره في بلد وآثاره الضارة كلياً أو جزئياً في بلد آخرى، فضلاً عن أن البيئة تعد تراثاً مشتركاً للإنسانية جمعاء، وبالتالي فهي حق لجميع الشعوب، وهما يجعلنا نرفع شعار البيئة للجميع (Environment For All).
ومن ناحية ثالثة فإن الحق في بيئة سليمة يعد حقاً زمنياً، حيث يتضح ذلك من خلال التزام الأجيال الحالية باحترام حقوق الأجيال القادمة في البيئة النظيفة الخالية من التلوث.
ويقع الحق في بيئة سليمة ضمن طائفة الجيل الثالث من حقوق الإنسان، والذي يعرف بحقوق التضامن، وكما هو واضح من اسمها أنها تلك الحقوق التي لا يمكن أن تمارس إلا بشكل جماعي، كما لا يمكن لدولة واحدة أن تمارسها بمفردها، وإنما تتطلب تضامن وتعاون الدول في المجتمع الدولي لكفالة تلك الحقوق لجميع الشعوب.
ويجد الحق في بيئة سليمة أساساً شرعياً وقانونياً في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، فأما على مستوى القانون الدولي فإنه يمكن القول في البداية على أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان تضمن سبقاً عن المواثيق الدولية الأخرى فيما يتصل بحقوق الجيل الثالث "حقوق التضامن"، وقد جاء في المادة 24 منه على أنه: "لكل الشعوب الحق في بيئة مرضية وشاملة وملائمة لتنميتها".
وقد أقرت العهود والمواثيق الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية، الحق في بيئة نظيفة، حيث أنها تقرر مجموعة من الحقوق المتصلة بالبيئة الصحية مثل حق الفرد في مستوى معيشي مناسب لنفسه ولعائلته بما في ذلك الغذاء والمناسب والملبس والمسكن.
كما أنها تنص على حق كل فرد في الحياة وفي سلامة بدنه وجسده، ولا يمكن للإنسان ممارسة حقه في الحياة وفي سلامة بدنه دون التمتع ببيئة نظيفة وسليمة خالية من التلويث والتلوث والتدهور البيئي، وبصفة عامة من أية أنشطة ضارة بالبيئة.
ومن هنا يمكن القول أن حق الإنسان في بيئة سليمة يستند إلى حقه في سلامة جسده وبدنه، ولا يمكن للإنسان أن يحافظ على حياته وسلامة بدنه ما لم يستطيع العيش في بيئة نظيفة وسليمة.
وفي الحقيقة لم يقتصر النص على هذا الحق في المواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية، بل تم النص عليه أيضاً في الدساتير والتشريعات الوطنية، حيث حرصت العديد من الدول على تضمين دساتيرها نصوصاً تحقق حماية البيئة وتؤكد على حق الشعوب في الحياة والتمتع ببيئة نظيفة ومن أمثلتها فنلندا، اليونان، البرازيل، الهند، الصين، روسيا، البرتغال، جنوب أفريقيا، وغيرها... الخ.
وإذا كان هذا هو الوضع في القانون الدولي والذي هو من صنع البشر؛ فكيف الحال في الشريعة الإسلامية؟.
في الحقيقة يمكن القول أن الشريعة الإسلامية الغراء قد سبقت كل التشريعات سواء الوطنية أو الدولية إلى تقرير حقوق الجيل الثالث، ومنها الحق في بيئة نظيفة وسليمة؛ فهي تمنع جميع أنواع الملوثات، وتعمل على الحفاظ على البيئة، وبالتالي نجد أن حق الإنسان في بيئة نظيفة وسليمة واضح تماماً في الشريعة الإسلامية، وذلك لعدة أسباب نذكر منها ما يلي:
1.أن نصوص القرآن والسنة تنص صراحة على الحفاظ على البيئة، ومنها بطبيعة الحال الحق في بيئة سليمة.
2.لا خلاف على أن حق الإنسان في بيئة سليمة ونظيفة إنما هو حق مقرر لمصلحته، ولذا فإنه يخضع للقاعدة الشرعية "حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله".
3.هذا الحق تقرره العديد من القواعد الفقهية مثل "لا ضرر ولا ضرار"، وهي قاعدة تمنع كل صور الإضرار بالبيئة.
4.الشريعة الإسلامية مليئة بالقواعد والأحكام التي تحمي البيئة ومنها بطبيعة الحال الحق في بيئة سليمة ونظيفة.
وفي نهاية المقال لا يسعنا إلا أن نؤكد على حقيقة هامة وهي أن الحق في بيئة مناسبة، إنما هو حق من حقوق الإنسان ولا سيما تلك الحقوق التي تقع ضمن طائفة الجيل الثالث، وهو حق يجد سنداً شرعياً وقانونياً سواء في الشريعة الإسلامية، أو في أحكام القوانين الوضعية وهو ما يدلل ويؤكد على أهمية هذا الحق، وأثره على التنمية، وهو ما سيكون موضوع المقالة القادمة بمشيئة الله تعالى.
|