رأي.. الربيع العربي لعنة على البيئة |
|
الشبكة العربية للتنمية المستدامة نقلاً عن البي بي سي: منذ حوالي ثلاثة سنوات كتبت ورقة بحثية موجزة نشرها معهد الشرق الأوسط تحت عنوان "ثورات الشرق الأوسط: المنظور البيئي". وتمثلت الرسالة الرئيسية للورقة أن التحديات والمشكلات البيئية المتعلقة بالمياه والغذاء والهواء والنفايات ... الخ فضلا عن التوزيع غير العادل للثروة من الموارد الطبيعية كانوا من أهم الأسباب الرئيسية للثورات في الشرق الأوسط. وأيضا حذرت من أنه إذا لم يتم حل المشكلات البيئية، يمكن للمرء أن يتوقع المزيد من موجات الاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة. وفى الحقيقة، كنت آمل أن الربيع العربي سيؤدي إلى حوكمة بيئية رشيدة تحقق العدالة الاجتماعية وهذا بدوره سيؤدي إلى الازدهار وتحسين نوعية الحياة وبالتالي الشعور بالرضا بين المواطنين في المنطقة. للأسف، بعد مرور ما يقرب من أربعة سنوات، بدلاً من ان يساهم الربيع العربي في حل مسبباته من المشكلات البيئية تحول إلى لعنة حقيقية على البيئة والموارد الطبيعية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. فهناك تدمير واسع النطاق للنظم الإيكولوجية واستنزاف شديد للموارد الطبيعية، الشحيحة أصلا، فضلا عن الفساد والسرقة للثروات الطبيعية والتراث. الى جانب ذلك، الأراضي الخصبة استنزفت، تلوث التربة والمياه والهواء أصبح هو القاعدة، والضوضاء والمخلفات أصبحوا في كل مكان وغير ذلك الكثير. وهذا من المثير جدا للسخرية حقاً لأن تعاليم الدين الإسلامي هي الأغنى في الدعوة إلى حماية الموارد الطبيعية ورعاية البيئة. بل يعتبر واجب ديني حماية البيئة والموارد الطبيعية . والفشل في القيام بذلك يعتبر خطيئة. التغير المناخي واللاجئون البيئيون في سوريا على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يدرك أن الامطار الشحيحة جداً والجفاف هي واحدة من أوائل الأحداث فى حياتنا المعاصرة التي نشأت بسبب التغيرات المناخية والتي أدت إلى الهجرة الجماعية أو ما يسمى في علم البيئة باللاجئين البيئيين (أو لاجئو المياه في هذه الحالة بالذات). وذلك أدى إلى تدهور واسع النطاق فى المحاصيل الزراعية أدت إلى انعدام الأمن الغذائي مما رتب عليه آثار سلبية اقتصادية ساهمت في عدم الاستقرار الدولة. وحالياً، تدهور الوضع البيئي بصورة أكبر ليس فقط بسبب التغير المناخي والأمطار منخفضة ولكن لأن الموارد الطبيعية إما ملوثة و / أو منهوبة نتيجة الصراع العسكري في سوريا . إن النظم الإيكولوجية، الهشة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط، وفقدان التنوع البيولوجي هي الضحية الحقيقية للصراعات المسلحة في العديد من دول الشرق الأوسط مثل سوريا، العراق، اليمن وليبيا. تؤدي العمليات العسكرية إلى تدمير التربة بحيث تصبح غير صالحة لأي نشاط بشري كالزراعة والسكني. وبغض النظر عن المنتصر فى هذه الصراعات فتبقى البيئة دائماً هي الضحية الحقيقية حيث تدمر الموارد الطبيعية وخاصة في عصرنا الحالي الذي تمتلك فيه البشرية العديد من أسلحة الدمار الشامل غير التقليدية مثل القنابل والأسلحة الكيميائية والبيولوجية وغيرهم الكثير. ولخطورة قضية تغير المناخ وآثارها السلبية البيئية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والسياسية على العالم أجمع، فقد دعي الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لعقد قمة المناخ بنيويورك في 24 من الشهر الجاري بحضور العديد من رؤساء العالم لحثهم على ضرورة اتخاذ تدابير ايجابية في أسرع وقت ممكن وضرورة التوصل لاتفاق ملزم لجميع الدول، مع اختلاف الالتزامات، لتغيير المسار أمام خطر الاحتباس الحراري بحلول قمة تغير المناخ العام القادم في باريس. داعش والتراث الانساني دمرت أو نهبت عبر العراق وسوريا العديد من الكنائس، المساجد، المتاحف والتماثيل من قبل الميليشيات العسكرية لتنظيم داعش. كما يجري تدمير للآثار الآشورية في سوريا. هذا الى جانب تدمير تماثيل للعديد من الموسيقيين والشعراء والمفكرين وغيرهم لأنهم يمثلون أيديولوجية مختلفة عن أولئك الذين ينتمون إلى تنظيم داعش. للأسف، كل هذه الكنوز المنهوبة والمدمرة والتي بني منها الكثير قبل أكثر من 5000 عام تمثل ليس فقط خسارة للعراق وسوريا والمنطقة العربية ولكنها خسارة للتراث المشترك للحضارة البشرية . الأمن المائي تعاني الدول العربية كلها تقريبا من الفقر المائي. حيث تمثل مصادر المياه العذبة 1.1٪ من مجملها في العالم في حين ان سكان الوطن العربي حوالي 5٪ من عدد سكان الكرة الارضية. كما ان 60٪ من مصادر المياه العذبة السطحية تأتي من خارج حدود الوطن العربي لاسيما تركيا وأثيوبيا. بالإضافة إلى ذلك، أن سوء الحوكمة في قطاع المياه أدى إلى العديد من النزاعات / التوتر خصوصا بين القطاعات والمحافظات والمناطق وحتى بين البلدان المتجاورة. ليبيا، على سبيل المثال، كانت ولا تزال تعاني من انعدام الأمن المائي وعلى الرغم من أن نظام القذافي بدأ "مشروع النهر الصناعي العظيم" الذي يعتمد على سحب المياه من خزان الحجر الرملي النوبي الجوفي المشترك بين ليبيا وتشاد والسودان ومصر، ومما لاشك فيه أن استدامة لمشروع تشوبها شكوك كبيرة خاصة بعد استنزاف المياه المتوفرة في الخزان حالياً. مما لاشك ان الامن المائي العربي في أسوأ حالاته حالياً من حيث الضعف والارتهان والحوكمة الغير رشيدة وغياب التعاون خاصة مع الدول المنابع غير العربية للمياه السطحية . فكل هذا ينذر بموجات اخرى من عدم الاستقرار بالمنطقة اذا لم تعالج بحكمة قضايا الامن المائي العربي. الإقتصاد البني لا زال على لونه! بعد مرور ما يقرب من أربعة سنوات من ثورات الربيع العربى فمن الواضح جدا أن الاقتصاد لا يزال على نفس لونه البني، الذي ثبت أنه فشل فشلاً ذريعاً في المنطقة والعالم. فإذا لم تتبنى المنطقة سياسات التحول لاقتصاد أخضر على الأقل في بعض القطاعات الرئيسية مثل قطاع الطاقة، يمكن للمرء أن لا يتوقع أي تحسن الإطلاق -- محمد عبد الرءوف. بل من المتوقع أن الإقتصاد البني سيجعل بلدان المنطقة أكثر عرضة للاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والتلوث ومشكلات العدالة الاجتماعية والبطالة مما سيجعل المنطقة أكثر عرضه لعدم الاستقرار. ومع ذلك، لا يزال لدى المرء الكثير من الأمل فى أن الربيع العربي والتحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة ستمثل فرصة حقيقية للإصلاحات وإعادة النظر في أولويات التنمية بحيث تحقق العدالة الاجتماعية وخلق فرص العمل الخضراء وتنبى سياسة للتحول للاقتصاد الأخضر كأداة لتحقيق التنمية المستدامة. وينبغى على أي حكومة قادمة في دول المنطقة ان تدرك حقيقة هامة جداً وهي انها إذا كانت حقاً تريد حل ومعالجة أسباب الإضطرابات وتحقيق الاستقرار في هذه المجتمعات فيجب أن تحل القضايا المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية أولاً، وإلا فإن المشكلات البيئية والصراع على الموارد الطبيعية ستؤدي للمزيد من التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة. |
جميع الحقوق محفوظة |