الشبكة العربية للتنمية المستدامة نقلًا عن القدس العربي: مما لا شك فيه أن جميع التصرفات التي تصدر عن الإنسان تمتد بشكل أو بآخر إلى مجال البيئة الطبيعية بصورها المختلفة، لذا نجد أن الإنسان المفكر الذي اخترع التكنولوجيا المتطورة واكتشف البترول وصنع السيارة والطائرة والقطار وغزا الفضاء واكتشف الأسلحة النووية، انعكس تطوره الفكري وتقدمه الصناعي والكيفية التي يتعامل بها مع الطبيعة، سلبيا على محيطه البيئي.
وفي السنوات الأخيرة تزايدت وتفاعلت أخطار التطور الصناعي ما أدى إلى ثقب في طبقة الأوزون وإلى اختفاء الغابات وقلة المياه في الجنوب، والتصحر وزحف الرمال وارتفاع حرارة الأرض وظهور أمطار محملة بمواد سامة في الشمال وتلوث البحار…
ومن أجل البحث عن حلول عالمية مشتركة للقضايا الملحة في واقع المحيط البيئي، انعقدت عدة مؤتمرات، نذكر منها مؤتمر الأرض في ريو دي جانيرو 1992 ثم انعقد المؤتمر العالمي للمناخ في برلين بألمانيا في 1992 في ظروف مناخية وبيئية ملوثة. ففي مؤتمر ريو دي جانيرو كانت الدول الكبرى المصنعة في الشمال ترى أن مقررات حماية البيئة تحد من تطورها التكنولوجي والصناعي، ما يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة حسب اعتقادها. أما دول الجنوب الفقيرة فترى أن مسؤولية تلوث الأرض وغلافها الجوي يقع على عاتق الدول الصناعية، وخلال هذا المؤتمر تحفظت دول الجنوب كثيرا حتى لا تقع في شباك الالتزامات، التي تحد مستقبلا من بلوغها مستوى من التقدم التكنولوجي. وفي المؤتمر العالمي للمناخ في برلين الذي ضم أكثر من 160 دولة، لم يتوصل التجمع الدولي إلى نتيجة مرضية، إذ امتنعت الدول الصناعية عن تطبيق ما دعا إليه ميثاق الأرض في قمة ريودي جانيرو، مع العلم أنها وقعت عليه، وامتنعت هذه الدول بما في ذلك ألمانيا الدولة المضيفة عن تقديم نموذج عملي من خلال قرارات تتخذها على صعيد حماية البيئة، وكانت ترأس المؤتمر آنذاك وزيرة البيئة أنجيلا ميركل.
ومن الملاحظ أن الدول الكبرى المصنعة تتخذ من مؤتمرات البيئة ذريعة لإيقاف نقل التكنولوجيا المتطورة إلى دول العالم الثالث، حتى تبقى هذه الدول على حالتها المتخلفة تحت غطاء المحافظة على البيئة، وحتى تظل الدول المتخلفة تابعة للدول الصناعية في جميع المجالات، ومنها الصناعة الغذائية وصناعة الأسلحة. ولم تعد هذه المؤتمرات تخدم سوى هدف تثبيت التبعية للدول الكبرى المصنعة وفرض المزيد من الالتزامات والأعباء على الدول الفقيرة، وتثبيت السيطرة والاستغلال لصالح الدول الصناعية دون مقابل، بما في ذلك ما كان يشبه الفتات تحت عنوان «المساعدات الإنمائية» الممزوجة بسموم الفوائد الربوية، حتى تحول بدوره إلى عبء وثقل إضافي كبير تحت عنوان: «أزمة الديون الخارجية»، فإذا كانت الدول الكبرى الصناعية، وعلى رأسها أمريكا، التي تحتكر التكنولوجيا المتسببة في هذا المشكل البيئي، تريد فعلا حماية البيئة من التلوث، فعليها أن تتخذ موقفا صارما من امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية المتطورة، ومراكز مفاعلات نووية التي لا تهدد فقط منطقة الشرق الأوسط لوحدها، ولكن تهدد الكرة الأرضية بكاملها.
ولا غرابة في أن تصبح ايديولوجيا البيئة من مناهج النظام العالمي الجديد الذي تتزعمه أمريكا، وتهدف من ورائه إلى استغلال ثروات العالم الثالث، في حين أنها تمتنع عن تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بحماية البيئة.
فأمريكا التي دمرت فيتنام وشوهت أجسام سكان هيروشيما وناغازاكي بقنابلها النووية التي لا زالت آثارها ظاهرة إلى يومنا هذا، وقتلت أطفال العراق من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية، كيف لا تستطيع تدمير البيئة من أجل مصالحها المادية؟ وفي هذا الصدد قال أحد المسؤولين في أمريكا: «إن أمريكا المتقدمة صناعيا لا يمكن لها أن تتخلى عن برامجها النووية وعن مشاريعها الصناعية المتطورة لمجرد أن يعيش عصفور في الغابة».
وعن أخطار المفاعلات النووية، قالت الدراسة التي نشرت نصها مجلة «الدفاع العربي» المتخصصة في الشؤون العسكرية: «إن صور الأقمار الصناعية أثبتت وجود المفاعل النووي ومعمل معالجة البلوتونيوم في منطقة ديمونا في صحراء النقب بإسرائيل، وهذه الحقيقة أكدها الخبير النووي الإسرائيلي موردخاي فانونو الذي اختطفته إسرائيل من لندن، ولقد ظلت إسرائيل تخفي أسلحتها النووية عن العالم، رغم علم الدول الغربية بها، بل أكثر من ذلك أن أمريكا هي شريكة اسرائيل في المفاعل الذري الذي تجرى فيه الأبحاث النووية وهو مخزن سري لقنابل «تل نوف» النووية العاملة بالجاذبي،ة في حين تم إعدام صدام حسين في يوم عيد الأضحى تحت غطاء أنه يمتلك أسلحة نووية، أثبتت التحقيقات فيما بعد أن ذلك كان مجرد كذبة أمريكية من أجل التخلص من صدام لأنه هدد إسرائيل بالسلاح النووي الذي كان لا يملكه أصلا.
هذه الأخطار التي تهدد البيئة والإنسان معا لم تكن محل نقاش من طرف مؤتمر مراكش الذي تحضره إسرائيل، التي تنتهك حق الفلسطينيين في العيش والحياة ولم تلتزم بقرارات مجلس الأمن التي تعد بالعشرات، فكيف يمكن لها أن تلتزم بقرارات مؤتمرات المناخ لحماية البيئة من التلوث؟
هنا يظهر أن الدول الكبرى الصناعية التي تحتكر التكنولوجيا المتطورة على حساب الدول النامية (الجنوب من الكرة الأرضية) ماضية في الدفاع عن مصالحها الاقتصادية، وتطوير صناعاتها المختلفة بما في ذلك الصناعة النووية، حتى لو أدى ذلك التطور إلى تدمير البيئة الطبيعية وتلويث مناخ الأرض، كما هو الحال بالنسبة للمناخ السياسي الملوث في كثير من الدول المتخلفة، ومنها الدول العربية التي تشعل فيها الدول الصناعية فتيل الحروب بهدف بيع أسلحتها للمتحاربين العرب فيما بينهم، وليس في مصلحتها إغلاق هذه المصانع، لأن ذلك سوف يلحق بها خسائر مالية كبيرة، كما يظهر أن صناعة الأسلحة المتطورة في الدول الغربية انتعشت في السنوات الأخيرة التي اندلعت فيها حروب العرب، في الوقت الذي تشهد اسرائيل استقرارا سياسيا وتطورا تكنولوجيا وعسكريا.
وخلال مؤتمر المناخ العالمي المنعقد في برلين بألمانيا، ظهرت محاولات تهرب الدول الكبرى الصناعية من مسؤولية التلوث البيئي، عن طريق استعمال لعبة الأرقام، مثل المقارنة مثلا بين المستوى التقني الصناعي في بلد كأمريكا وآخر من المجموعة النامية مثل الهند، وتقول إحدى المقارنات مثلا: «إن ما قيمته دولار واحد من المنتجات الصناعية في الهند، يسبب من العوادم الغازية السامة أكثر من ضعفي ما يسببه إنتاج ما قيمته دولار واحد في الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا»، وهي لعبة أرقام أقرب إلى خداع العالم كله، ذلك أن الدول الصناعية تريد إلصاق تهمة تلوث البيئة بالدول المتخلفة، في حين أن استهلاك الفرد الأمريكي أو البريطاني يعادل نتيجة الإسراف والترف عشرات أمثال ما يستهلكه الفرد الهندي الذي يعاني من الفقر والحرمان في عدة مجالات…
وسيبقى الخطر الأكبر ماثلا في احتمال تمادي الدول الصناعية في تجاهل توصيات المؤتمرات العالمية الداعية إلى تخفيض تدريجي للمركبات الغازية المؤلفة من الكلور والفلور والهيدروجين والفحم والتي تعتبر السبب الرئيسي لظاهرة ثغرات الأوزون، بعد أن تأكدت سماكة طبقة الأوزون فوق أوروبا بنسبة 15 % وفوق المناطق الشمالية من الاتحاد الروسي بنسبة 25% وهذا يدل من الناحية العلمية إلى أن خطر التلوث مصدره الدول الغربية المصنعة التي تمتلك الطاقة النووية والأسلحة والمفاعلات النووية، التي تعيش في حياة الترف والبذخ والكماليات الزائدة عن المألوف، وتستعمل التكنولوجيا المتطورة بإسراف وأن مصدر الخطر لا يأتي من دول الجنوب الفقيرة، التي يهاجر سكانها بالملايين نحو أوروبا عبر البحر من أجل لقمة العيش فقط، وليس من أجل العيش في الترف والملذات.
ولهذا يجب الانتباه إلى الخداع الغربي والاستفادة من التاريخ الذي يثبت أن سبب الأزمات والنكبات في الوطن العربي مصدره الدول الغربية، وأهم هذه النكبات على الاطلاق هو زرع الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي بمساعدة الدول الغربية عام 1948 وهو العام الذي أنشأت فيه الأمم المتحدة ميثاق حقوق الإنسان الذي ينص على «حق تقرير المصير» ومنذ هذا التاريخ يعني منذ أكثر من 60 سنة والشعب الفلسطيني ينتظر من الأمم المتحدة تطبيق ما نص عليه ميثاق حقوق الانسان، دون فائدة، واليوم لا زالت الدول العربية في غفلة من أمرها، إذ كان يجب عليها أن تطالب أولا بتطبيق قرارات مجلس الأمن فيما يخص القضية الفلسطينية قبل الاستماع إلى الخطابات الخادعة المطالبة بحماية البيئة، في حين أن الأمم المتحدة عجزت عجزا كليا عن حماية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية ومحو ثقافته وهويته وطمس معالم وطنه وتهويد القدس الشريف. |