الحدائق النباتية.. حراس التنوع البيولوجي الثقافي |
|
في قلب الصحراء، حيث تلامس الرمال أشعة الشمس الساطعة، تنبثق واحات خضراء تُعرف بالحدائق النباتية والتي تحملنا عبر الأزمنة لتُطلعنا على تنوعها البيئي وثرائها الثقافي، لتكون شواهدًا حية على إبداع الإنسان وعشقه للجمال. منذ فجر التاريخ، ارتبطت الحدائق المصرية بالثقافة والحضارة، فكانت رمزًا للترف والرفاهية، وملتقىً للأدباء والفنانين، ومصدرًا للإلهام والإبداع. وفي عصور الفراعنة، ازدهرت الحدائق النباتية، حيث اهتمّ المصريون القدماء بزراعة مختلف أنواع النباتات والأشجار، مستفيدين من خصوبة وادي النيل وذكائهم في هندسة الري.
مع مرور الزمن، تطورت الحدائق المصرية، متأثرةً بثقافات الشعوب التي تعاقبت على حكم البلاد. فظهرت حدائق ذات طابع إسلامي، تميزت بتصميماتها الهندسية ووجود النافورات والبرك.
ولكن لم تتوقف رحلة حدائق مصر عند هذا الحد. ففي العصور الحديثة، شهدت البلاد نهضةً كبيرة في مجال إنشاء الحدائق والمتنزهات، مستفيدةً من التطورات العلمية والتكنولوجية.
اليوم، تُعدّ الحدائق النباتية المصرية من أهم معالم الجذب، حيث تُعدّ ثروةً طبيعية وثقافية هامة يجب الحفاظ عليها. فهي تلعب دورًا حيويًا في حفظ التنوع البيولوجي، وتعزيز التراث الثقافي، وتوفير فرص للتعليم والبحث العلمي.
المؤتمر الدولي للحدائق النباتية: حراس التنوع البيولوجي الثقافي
بدعوة كريمة من منظمة اليونسكو، حضرت مؤخرا المؤتمر الدولي للحدائق النباتية: حراس التنوع البيولوجي الثقافي، الذي عُقد في مقر المكتب الإقليمي لليونسكو في القاهرة في الفترة من 20 إلى 21 مايو 2024.
نظم المؤتمر مكتب اليونسكو الإقليمي لمصر والسودان/مكتب الاتصال بجامعة الدول العربية، وشارك فيه خبراء من جميع أنحاء العالم. وكان هذا المؤتمر فرصة رائعة للتعلم من الخبراء الدوليين حول دور الحدائق النباتية في الحفاظ على التنوع البيولوجي الثقافي.
هدف المؤتمر لفهم الأدوار الهامة للحدائق النباتية في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز التراث الثقافي، وعرض المؤتمر محاضرات عن الأهمية التاريخية للحدائق النباتية، ومشاريع توثيق الحدائق النباتية المصرية ومعرفة طبيعة التنوع البيولوجي التي تحتفظ بها الحدائق النباتية.
وأصدر المؤتمر بياناً ختامياً يدعو إلى زيادة الاستثمار في الحدائق النباتية، وتعزيز التعاون الدولي، ورفع مستوى الوعي بأهميتها.
المناقشات:
وفّر المؤتمر فرصة مهمة لمناقشة قضايا الإدارة المستدامة للتنوع البيولوجي والأنواع المحلية في الحدائق النباتية الهامة، والتعاون الدولي بين الحدائق النباتية، وشمل المؤتمر كلمات رئيسية من خبراء دوليين، وحلقات نقاشية، وعرض مشاريع توثيق الحدائق النباتية المصرية، وتلخيص الأفكار والنتائج.
شمل المؤتمر مجموعة من المحاضرات والعروض التقديمية التي تناولت مواضيع متنوعة، بما في ذلك:
الأهمية التاريخية للحدائق النباتية: تم استعراض تاريخ الحدائق النباتية من العصور القديمة حتى يومنا هذا، وتسليط الضوء على دورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز التراث الثقافي.
معرفة التنوع البيولوجي التي تحتفظ بها الحدائق النباتية: تم تقديم عروض توضح تنوع النباتات الموجودة في الحدائق النباتية في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على أهميتها في حفظ الأنواع المهددة بالانقراض.
الإدارة المستدامة للتنوع البيولوجي والأنواع المحلية في الحدائق النباتية: تم مناقشة أفضل الممارسات لإدارة الحدائق النباتية بطريقة مستدامة، مع التركيز على حماية الأنواع المحلية وتعزيز التنوع البيولوجي.
التعاون الدولي بين الحدائق النباتية: تم استعراض أهمية التعاون الدولي بين الحدائق النباتية، وتقديم أمثلة على المشاريع المشتركة بين الحدائق النباتية في مختلف أنحاء العالم.
ويمكن حصر أهم الموضوعات التي ناقشها المؤتمر في ما يلي:
الأهمية التاريخية للحدائق النباتية:
تم التأكيد على الدور التاريخي للحدائق النباتية في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز التراث الثقافي.
تم استعراض أمثلة على الحدائق النباتية القديمة من مختلف أنحاء العالم.
تم التأكيد على أهمية الحفاظ على المعرفة التقليدية المتعلقة بالحدائق النباتية.
معرفة التنوع البيولوجي التي تحتفظ بها الحدائق النباتية:
تم استعراض تنوع النباتات الموجودة في الحدائق النباتية في جميع أنحاء العالم.
تم التأكيد على أهمية الحدائق النباتية في حفظ الأنواع المهددة بالانقراض.
تم مناقشة دور الحدائق النباتية في البحث العلمي.
الإدارة المستدامة للتنوع البيولوجي والأنواع المحلية في الحدائق النباتية:
تم مناقشة أفضل الممارسات لإدارة الحدائق النباتية بطريقة مستدامة.
تم التأكيد على أهمية حماية الأنواع المحلية في الحدائق النباتية.
تم مناقشة دور الحدائق النباتية في تعزيز التنوع البيولوجي.
التعاون الدولي بين الحدائق النباتية:
تم مناقشة أهمية التعاون الدولي بين الحدائق النباتية.
تم استعراض أمثلة على المشاريع المشتركة بين الحدائق النباتية في مختلف أنحاء العالم.
تم التأكيد على أهمية تبادل المعرفة والخبرة بين الحدائق النباتية.
دور مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بمكتبة الإسكندرية
قدمت مكتبة الإسكندرية، ممثلة بمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، عرضًا تفصيليًا عن مبادرتها لتوثيق الحدائق النباتية المصرية، والتي يتم تنفيذها بالتعاون مع وزارة الزراعة بموجب بروتوكول تعاون.
سلط العرض الضوء على أعمال التوثيق التي تم تنفيذها في المواقع التالية:
محطة الزهراء للخيول: تضم هذه الحديقة التاريخية مجموعة من الإسطبلات والحدائق التي كانت في السابق جزءًا من أراضي القصر الملكي.
المتحف الزراعي: يضم هذا المتحف مجموعة متنوعة من المعروضات المتعلقة بالتراث الزراعي المصري، بما في ذلك الأدوات والمعدات والمحاصيل.
حديقة الأورمان: تعد هذه الحديقة النباتية واحدة من أقدم وأكبر الحدائق في مصر، وتضم مجموعة متنوعة من أنواع النباتات.
حديقة الحيوان: تضم هذه الحديقة مجموعة واسعة من أنواع الحيوانات من جميع أنحاء العالم.
كما تم عرض مخرجات المشروع، بما في ذلك:
الموقع الإلكتروني لحديقة الأورمان: يوفر هذا الموقع معلومات شاملة حول تاريخ الحديقة ومجموعات النباتات والبرامج التعليمية.
الموقع الإلكتروني لحديقة الحيوان: يقدم هذا الموقع معلومات مفصلة حول أنواع الحيوانات الموجودة بالحديقة، وجهود الحفظ، وخدمات الزوار.
كتاب عن حديقة الأورمان النباتية: يقدم هذا الكتاب نظرة عامة شاملة على تاريخ الحديقة ومجموعات النباتات وأهميتها.
كتاب عينات المعشبية المرسومة من حديقة الأورمان: يعرض هذا الكتاب مجموعة من عينات المعشبة الجميلة المرسومة من الحديقة.
بالإضافة إلى ذلك، تم في العرض استعراض الأعمال الجارية لتوثيق حديقة الزهرية النباتية. تشتهر هذه الحديقة بمجموعتها الغنية من نباتات الصحراء ودورها في جهود الحفظ.
أهمية الحدائق النباتية المصرية:
تُعدّ الحدائق النباتية المصرية ثروة وطنية هامة يجب الحفاظ عليها وتعزيزها. من خلال الاستثمار في هذه الحدائق، يمكننا ضمان استمرارها في لعب دورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعزيز البحث العلمي، ونشر الوعي البيئي، وتحسين جودة حياة الناس. وتُعدّ الحدائق النباتية المصرية ذات أهمية كبيرة على عدة مستويات، تشمل:
الحفاظ على التنوع البيولوجي:
تلعب الحدائق النباتية دورًا هامًا في حفظ التنوع البيولوجي من خلال جمع وإكثار الأنواع النباتية النادرة والمهددة بالانقراض.
تُساهم في إثراء التنوع البيولوجي من خلال إدخال نباتات جديدة من مختلف أنحاء العالم.
تُساعد في دراسة وفهم التنوع البيولوجي من خلال إجراء البحوث والتجارب على النباتات.
البحث العلمي:
تُعدّ الحدائق النباتية مراكز بحثية هامة لدراسة علم النبات وعلم الأحياء وعلم البيئة.
تُتيح للعلماء إجراء البحوث على مختلف جوانب النباتات، بما في ذلك:
التصنيف: تصنيف وتحديد الأنواع النباتية.
الوراثة: دراسة علم الوراثة النباتية.
البيئة: دراسة تأثير البيئة على النباتات.
الاستخدامات الطبية: البحث عن نباتات ذات خصائص طبية.
التعليم والتوعية:
تُعدّ الحدائق النباتية مراكز تعليمية هامة لتعليم الجمهور عن النباتات وأهميتها.
تُتيح للطلاب والباحثين اكتساب المعرفة والمهارات من خلال البرامج التعليمية وورش العمل.
تُساهم في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتوعية بالقضايا البيئية.
الترفيه والاستجمام:
تُعدّ الحدائق النباتية أماكن ترفيهية جميلة يزورها الناس للاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة.
تُتيح للناس القيام بأنشطة مختلفة مثل المشي لمسافات طويلة ومراقبة الطيور والتنزه.
تُساهم في تحسين الصحة العقلية والجسدية للناس.
تعزيز السياحة:
تُعدّ الحدائق النباتية معالم سياحية هامة تجذب الزوار من داخل وخارج مصر.
تُساهم في تنشيط السياحة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
تُقدم للزوار فرصة التعرف على ثقافة مصر وتاريخها وتنوعها البيولوجي.
أمثلة على بعض الحدائق النباتية المصرية المهمة:
حديقة الأورمان النباتية: تقع في القاهرة، وهي أقدم وأكبر حديقة نباتية في مصر.
حديقة حيوان الجيزة: تقع في الجيزة، وتضم حديقة نباتية تضم مجموعة واسعة من النباتات من جميع أنحاء العالم.
النتائج:
أكد المؤتمر على أهمية الحدائق النباتية كحراس للتنوع البيولوجي الثقافي. وساهم المؤتمر في تعزيز فهمنا لدور الحدائق النباتية في الحفاظ على كوكبنا وتحسين حياة الناس. ودعا المشاركون في المؤتمر إلى زيادة الاستثمار في الحدائق النباتية، وتعزيز التعاون الدولي، ورفع مستوى الوعي بأهميتها. ومن أهم التوصيات والمناقشات والنتائج التي خرج بها المؤتمر: زيادة الاستثمار في الحدائق النباتية، وتوفير التمويل اللازم لتطوير وبناء وصيانة الحدائق النباتية، ودعم برامج البحث والتعليم في الحدائق النباتية، وتعزيز التعاون بين الحدائق النباتية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتعزيز التعاون الدولي بين الحدائق النباتية عن طريق إنشاء شبكات دولية للحدائق النباتية لتبادل المعرفة والخبرة، ودعم المشاريع المشتركة بين الحدائق النباتية في مختلف أنحاء العالم.
كما دعا المشاركون في المؤتمر لتعزيز التعاون في مجال حفظ التنوع البيولوجي، ورفع مستوى الوعي بأهمية الحدائق النباتية، ونشر المعلومات حول دور الحدائق النباتية في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز التراث الثقافي. وتشجيع الجمهور على زيارة الحدائق النباتية والتعرف على أهميتها. ودمج تعليم الحدائق النباتية في المناهج الدراسية. وأصدر المشاركون في المؤتمر بيانًا ختاميًا يدعو إلى زيادة الاستثمار في الحدائق النباتية، وتعزيز التعاون الدولي، ورفع مستوى الوعي بأهميتها.
أكد المؤتمر على أهمية الحدائق النباتية كحراس للتنوع البيولوجي الثقافي. وأعتقد أن هذا المؤتمر كان خطوة مهمة نحو تعزيز دور الحدائق النباتية في الحفاظ على التنوع البيولوجي الثقافي. ومن خلال العمل معًا، يمكننا ضمان استمرار هذه المساحات الخضراء في لعب دورها في الحفاظ على كوكبنا وتحسين حياة الناس.
مبادرات اليونسكو:
من جانبها، أكدت السيدة نوريا سانز، المدير الإقليمي لمكتب منظمة اليونسكو بالقاهرة، على أهمية القطاع الزراعي بالنسبة للمنظمة وذلك في إطار اهتمام منظمة اليونسكو بالتنوع الحيوي وثقافات وعادات وتقاليد المجتمعات الريفية وبحث آليات التطوير الممكن لهذه المجتمعات بحيث تتوافق مع تطورات العصر الحديث.
وقالت السيدة سانز أن اليونسكو يهتم أيضا بالحدائق النباتية وتدريب صغار المزارعين، فضلًا عن إعداد خرائط بحصر وتصنيف الكائنات الحية النباتية منها والحيوانية الموجودة بالبيئات المختلفة. كما أشارت إلى الاهتمام العالمي المتزايد حاليًا لنشر الوعي بأهمية محصول الدخن للمساهمة في سد الفجوات الغذائية الموجودة على مستوى العالم وخاصة بالدول النامية والمناطق الهامشية.
يُعد هذا التعاون خطوة هامة نحو تعزيز التعاون بين مصر ومنظمة اليونسكو في مجال تطوير القطاع الزراعي. من خلال العمل معًا، يمكن للبلدين تحقيق أهدافهما المشتركة في مجال الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.
ما الخطوات التي يمكننا اتخاذها لحماية حدائق مصر؟
دعم برامج البحث العلمي في مجال علم النبات وعلم البيئة.
زيادة الاستثمار في تطوير وصيانة الحدائق النباتية.
نشر الوعي بأهمية الحدائق النباتية بين مختلف فئات المجتمع.
تشجيع زيارة الحدائق النباتية والتعرف على تنوعها البيولوجي وثرائها الثقافي.
دمج تعليم الحدائق النباتية في المناهج الدراسية.
التعاون الدولي لتبادل المعرفة والخبرة في مجال إدارة الحدائق النباتية.
حراس التنوع البيولوجي الثقافي
في ختام رحلتنا عبر حدائق مصر الخضراء، نستطيع القول بكل تأكيد أن هذه المساحات الخضراء ليست مجرد أماكن للترفيه والاستجمام، بل هي حراس حقيقيون للتنوع البيولوجي الثقافي.
فمن خلال تنوعها النباتي، تحتضن هذه الحدائق ثروة هائلة من الأنواع النباتية، منها النادر والمهدد بالانقراض. وتُساهم في الحفاظ على هذه الأنواع من خلال برامج الإكثار والزراعة، وتوفير بيئة مناسبة لنموها وتكاثرها.
وليس ذلك فحسب، بل تُعدّ الحدائق المصرية أيضًا حراسًا للتراث الثقافي. فهي تُمثل شواهد حية على تاريخ مصر العريق، وتُجسد إبداع الإنسان وعشقه للجمال. ففي كل حديقة، نجد حكاية تروى، وتاريخًا يُكتب. ونرى كيف استطاع الإنسان عبر الزمن أن يُشكل هذه المساحات الخضراء، ويُضفي عليها لمسة فنية تُعكس ثقافته وتقاليده. ولكن مسؤولية حماية هذه الحدائق لا تقع على عاتقنا فقط، بل على عاتق الأجيال القادمة.
فلنعمل معًا للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية والثقافية، ولنضمن استمرارها كرمزٍ لجمال مصر وتاريخها العريق. ومن خلال العمل معًا، يمكننا ضمان استمرار حدائق مصر الخضراء في لعب دورها في الحفاظ على كوكبنا وتحسين حياة الناس.
فمعًا، نستطيع أن نحمي حراس التنوع البيولوجي الثقافي.
د. طارق قابيل*
أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
*عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية. |
جميع الحقوق محفوظة |