دور الاقتصاد السلوكي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

يتبادر إلى ذهن خبراء العالم والمبتكرين في علم الاقتصاد السلوكي كيف يمكن لعلم النفس والاقتصاد أن يصنعا فارقاً حقيقياً في حياة الإنسان وكوكب الأرض؟

عند التطرق إلى الأهداف التي تبنتها كافة دول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015 على أنها أساس استدامة جودة حياة الإنسان واستقراره، نجد أن القاسم المشترك هو السلوك المحرك لدوافع الإنسان والملبي لرغباته. من خلال تعاطفنا مع المشكلات التي تواجه العالم وتحليلها، نستطيع تصميم تجربة حياة متكاملة والاستثمار فيها لمواجهة كافة التحديات المستقبلية التي تدعم المحيط البيئي والمجتمعي
توظيف الاقتصاد السلوكي في تعزيز تطبيق أهداف التنمية المستدامة:
يعد الاقتصاد السلوكي من المنهجيات المساعدة على تعزيز أهداف التنمية المستدامة. وترجع أهمية الاقتصاد السلوكي في هذا الصدد إلى أنه يركز على استكشاف القدرات والإمكانات الداخلية للمجتمعات. ويركز الاقتصاد السلوكي على عناصر وموارد مثل المعرفة والإلهام والمرونة وتوفر العنصر البشري من الشباب.
في ذلك. فالقرارات الصغيرة التي يتخذها الأفراد في حياتهم اليومية لها آثار كبيرة على العملية التنموية، كما أن لها أهمية كبيرة في تغير السلوك البشري نحو خيارات أكثر استدامة.
ومن الممكن استخدام مبادئ الاقتصاد السلوكي في دعم أهداف التنمية المستدامة في البعد الاقتصادي على سبيل المثال،فقد أثبتت الأدلة في مجال الاقتصاد السلوكي بأن الناس بطبيعتهم يهتمون برفاه الآخرين ويتأثرون بالمشاعر قصيرة المدى كما أنهم يلجؤون إلى الاستدلال عند تفاعلهم مع بيئات تتسم الخيارات المتاحة فيها بالتعقيد. لذلك فإن علماء الاقتصاد السلوكي يقترحون تطبيق مفهوم الوكز من أجل تشجيع الناس على اتخاذ قرارات أفضل لهم وللمجتمعات حول العالم. والاقتصاد السلوكي يركز بدرجة ضئيلة على المنظمات، وبشكل خاص الأسواق وتعثراتها، ولكنه أكثر تركيزًا على الإخفاقات في اتخاذ القرارات. لذلك فإن السياسات الموضوعة في هذا الصدد يجب أن تكون أقل تركيزًا على تنظيم السوق وأكثر تركيزًا على سلوك الأفراد في السوق.
وعند تناول العلاقة بين الاقتصاد السلوكي وأهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالحفاظ على البيئة، من الملاحظ بأن أهداف التنمية المستدامة بحالتها الحالية أقرب إلى المنظور الاقتصادي التقليدي (وليس المنظور الاقتصادي السلوكي)، والذي يتجاهل آثار التحيزات السلوكية على النتائج الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، تربط أهداف التنمية المستدامة بصورة مباشرة التدابير الاحتياطية للتقليل من حجم الانبعاثات الكربونية بسياسات الدولة المفروضة على الصناعات، وذلك بدلًا من ربطها بتقليل استهلاك المنتجات المولدة لتلك الانبعاثات.
وفي السياق الاجتماعي لاهداف التنمية المستدامة وحتى تتمكن الحلول السلوكية من إحداث الآثار التنموية المنشودة في الجانب الاجتماعي، فإنه من الضروري تصنيف الصعوبات الأساسية، وتقييم الآثار المحتملة لتطبيق أساليب الاقتصاد السلوكي، وترجمة التصورات المتولدة إلى تطوير في البرامج الاجتماعية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بإحداث تغييرات عميقة في كيفية تطبيق الرؤى السلوكية في التنمية. ويتطلب ذلك قيام الحكومات بدمج الرؤى السلوكية في عملية تصميم البرامج التنموية واختبار تلك الرؤى في البرامج القائمة والجاري تنفيذها.
وكما يمكن من خلال الاستراتيجيات المستندة إلى مفاهيم الاقتصاد السلوكي دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، وذلك بعدة طرق. ومن أبرز تلك الطرق توجيه الخيارات الفردية نحو تجنب السلوكيات غير الصحية، ومن خلال ذلك يمكن تحقيق عدد من الأهداف الفرعية المندرجة تحت هدف التنمية المستدامة الثالث (الصحة الجيدة والرفاه). وتتضمن تلك الأهداف الفرعية الآتي: 
القضاء على الأمراض الأكثر انتشارا، والأمراض الاستوائية المهمَلة.
مكافحة التهاب الكبد، والأمراض المنقولة بالمياه، وغير ذلك من الأمراض المعدية.
تقليص عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث السير إلى النصف.
تعزيز الوقاية من وعلاج التعاطي، بما في ذلك تعاطي المواد المخدرة والاستخدام الضار للمشروبات الكحولية.
تعزيز تطبيق اتفاقية إطار منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ في جميع دول العالم.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الاقتصاد السلوكي يحمل في طياته إمكانيات لإحداث تغيير إيجابي ومستدام. حيث يعد دعوة للابتكار والإبداع في إيجاد حلول لمشكلات معقدة تعترض طريق البشرية. إذا استطاعت الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة تبني هذا النهج بشكل فعّال، فإننا سنشهد نهضة في مختلف المجالات تعزز من رفاهية الإنسان وتحافظ على كوكب الأرض. إن دمج علم الاقتصاد السلوكي في استراتيجيات التنمية المستدامة ليس خياراً، بل ضرورة، لضمان مستقبل زاهر يتشارك فيه الجميع مسؤولية تحقيق التقدم والاستدامة.
 
- نوف محمد علي الأحمري
 
للمزيد من القراءات:
 
Abd Elkhalek, A. M. A. (2020). An Assessment of the Applicability of Behavioral Economics’ Tools to Policy Making Process Considering Sustainable Development Goals. International Journal of Economics and Finance, 12(10), 57-67. https://doi.org/10.5539/ijef.v12n10p57
 
Buheji, M. (2018). Understanding the Potential of Behavioural Economics on Establishing ‘Quality of Life’Constructs. American Journal of Economics, 8(6), 279-288. https//dx.doi.org/10.5923/j.economics.20180806.07
 
عبد العزيز ،عبد القيوم (2024م)، دور الاقتصاد السلوكي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة: تجربة الأمم المتحدة.ع(209) ج (3). مجلة الجامعة الاسلامية للعلوم الشرعية. المدينة المنورة.
 
كوشك،أفنان (2020م)، التأثير المجتمعي بالوكز -تصميم المبادرات مبنية على تجارب الاقتصاد السلوكي (www.atharonaa.com)
 
كارترايت،إدوارد (2022). الاقتصاد السلوكي ،ترجمة: عمار العبادي.دار حميثرا للنشر. مصر.


جميع الحقوق محفوظة
تصميم وتطوير شركة الحلول المتكاملة
ps-egypt.com