بعد أكثر من ثلاثين عاماً قام الشعب المصري بثورة مجيدة أنهت حقبة طويلة من الفساد الذي نخر في عظام مصر حتى النخاع وجسده مشروع التوريث، وترجع الثورة إلى ما عاناه الشعب المصري من فقر وبطالة واستبداد وقمع للحريات السياسية والاجتماعية على جميع المستويات، وقد حظيت الثورة المصرية بتقدير عالمي واسع خاصة في ظل حفاظها على سلميتها، ومشاركة كل أطياف الشعب فيها.
وبعد الثورة فتح الطريق أمام حدوث تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية فرضت تحديات داخلية وخارجية على مصر والسياسة الخارجية المصرية، مما سيؤدي إلى تغييرات جوهرية بها في المدى المنظور. يجيب هذا المقال عن تساؤل رئيسي هو هل من الممكن إن ينتقل نموذج الثورة المصرية إلى الدول الأفريقية جنوب الصحراء باعتبار أن دول شمال القارة تشهد ثورة مثل الثورة المصرية؟
وللإجابة فإننا نجد أنه قد تابعت شعوب أفريقيا جنوب الصحراء ما يجري من ثورات في شمال القارة خاصة أن شعوب هذه الدول لديها أنظمة حكم تشبه إلى حد كبير الأنظمة الاستبدادية التي كانت سائدة في شمال القارة، فضلا عن انتشار البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة والفقر، حيث كان ارتفاع أسعار الغذاء سبباً للاحتجاجات التي شهدتها دول جنوب القارة مثل احتجاجات موزمبيق أواخر عام 2010(1).
والملاحظ أن شعوب الدول الأفريقية جنوب الصحراء على الرغم من معاناتها من الظلم والفقر واستبداد النظم الحاكمة بها إلا أنه لا يتوافر لها مقومات القيام بثورات أو احتجاجات على هذه النظم بشكل يؤدي لإسقاطها وهي تلك المقومات التي توافرت للثورة المصرية وساعدتها على تحقيق أهدافها وتتمثل في:
§ الإعلام: فالتواجد الاعلامي في مصر أكبر بكثير من التواجد الإعلامي في جنوب القارة في بنين أو الجابون مثلاً، نظراً لما تحظى به مصر من مكانة ثقافية عالمية وموقع فريد يجعلها دولة محورية فضلاً عن عدد سكانها الضخم مما يعد أحد أسباب تغطية الإعلام الدولي لما يحدث فيها، حتى إن تغطية أخبار الثورة المصرية طغت على تغطية أحداث الثورة التونسية التي اندلعت قبلها(2).
§ الاهتمام الدولي المتمثل في اهتمام قادة العالم ومتابعتهم للثورة المصرية منذ بداياتها والذي عبروا عنه ببيانات وتصريحات تأييدا للثورة المصرية مثل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس النمسا Heinz Fischer الذي دعا إلى منح الشعب المصري جائزة نوبل للسلام.
§ شبكات التواصل الاجتماعي face book ,twitter, YouTube التي استطاعت لعب دور كبير في تجميع المحتجين ونقل المعلومات والصور والفيديو.
§ منظمات المجتمع المدني الذي لعبت دور في تنظيم وتعبئة المشاعر وتحويلها إلى أفعال إيجابية، بل إن المجتمع المدني كان له دور بعد ذلك في مساندة الثورة واستثمار التأييد والإعجاب الدولي الذي حظيت به، والذي جاء على لسان قادة العالم ومنهم رئيس النمسا، حيث قام المجلس المصري للشئون الخارجية، وهو منظمة غير حكومية تعنى بالسياسة الخارجية(3)، وبمبادرة منه بإرسال خطاب إلى اللجنة النرويجية لجائزة نوبل للسلام يرشح فيها شعب مصر وثورته في 25 يناير 2011 كثورة فريدة في تاريخ مصر وتاريخ العالم للحصول على جائزة نوبل للسلام لهذا العام. كما بعث المجلس رسائل إلى الشخصيات المصرية والدولية والحائزة على جوائز نوبل وعمداء كليات العلوم السياسية ومعاهد السلام وأساتذة العلاقات الدولية والتاريخ والفلسفة للكتابة للجنة النرويجية لدعم الترشيح المصري. وواصل ذلك بارساله خطابات إلى قادة العالم لتأييد هذا الترشيح.
§ التجانس السكانى أو الوحدة الوطنية الذي يتمتع به المجتمع المصري مما جعله يبدو متماسكا خلال أحداث الثورة ويفوت الفرصة على أي محاولات للوقيعة والفتنة بين المسلمين والمسيحيين وهو لب القدرة الداخلية المصرية،، حيث ساعدت الدرجة العالية من التجانس الثقافى والاجتماعى في نجاح الثورة المصرية، فالمصريون يشكلون وحدة وطنية أو تجمعًا سكانيًّا واحدًا وينطقون لغة واحدة كما يدين ما يقرب من 90% منهم بالإسلام أما بالنسبة للأقباط أو النوبيين فيصعب تناولهم كأقلية؛ نظرًا لتداخلهم مع باقى أفراد المجتمع(4).
فعلى الرغم من أن شعوب دول أفريقيا جنوب الصحراء تعاني من المشكلات التي عانى منها شعب مصر إلا أنه نظراً لافتقادها المقومات المحفزة لقيام الثورة واستمرارها مما يجعل هناك صعوبة في انتقال نموذج الثورة المصرية إليها، فهذه الدول تفتقر امتلاك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بل إن حكومات دول مثل جيبوتي، أوغندا، زيمبابوي، غينيا الإستوائية سيطرت سيطرة كاملة على الإعلام الحكومي حتى لا ينقل أحداث الثورة المصرية وأصبح من يتابعها في هذه الدول هو من يمتلك قنوات فضائية وهم ليسوا بكثير، وفي أثيوبيا اعتقل أحد الصحفيين عندما حاول أن يقارن بين مصر وأثيوبيا في إمكانية تطبيق النموذج المصري في الثورة. على عكس ذلك قد توافرت بعض هذه المقومات لعدد من الدول العربية التي تشهد ثورات تنادى بالحرية والديمقراطية ضد نظم قمعية، متأثرة بنجاح الثورة المصرية والثورة التونسية من قبلها.
هذا فضلاً عن ما تعانيه شعوب هذه الدول من تجاهل من قبل وسائل الإعلام الدولي لها ولما يجري فيها من أحداث، فقد يعلق قادة العالم أو يصدروا بيانات تعليقاً لما يجري في دول مثل مصر، اليمن، سوريا ولا يصدروا بيانات لما يجري في جيبوتي أو ساحل العاج مثلاً.
بالاضافة أيضا ألى ما تعانيه دول إفريقيا جنوب الصحراء من ضعف وجود منظمات المجتمع المدني وهي تلعب دورا هاما في مراحل التحول الديمقراطي. من ناحية أخرى قد شهدت بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء محاولات سابقة للديمقراطية فقد شهد بعضها تقدماً ديمقراطياً حثيثا منذ التسعينيات من القرن الماضي حيث أصبح هناك ترابط بين ما يطلق عليه المشروطية السياسية والمشروطية الاقتصادية، وقد قطعت الدول الإفريقية شوطًا كبيرًا فى مجال تطبيق الإصلاحات السياسية وأبرز مجالات الإصلاح تمثلت فى الأخذ بالديمقراطية فى مفاهيمها وتطبيقاتها الليبرالية وما تضمنته من عملية إجراء الانتخابات بمستوياتها المختلفة (برلمانية- رئاسية-ـ محلية) وتداول السلطة. واتجهت أغلب الدول الإفريقية منذ بداية القرن الواحد والعشرين إلى الأخذ بنظام ديمقراطى قائم على انتخابات تنافسية فى إطار تعددية سياسية، وهذا ما عكسته وثيقة "النيباد" التى عززت التوجه الإفريقى العام نحو الديمقراطية وترجمته إلى التزامات محددة وقواعد واضحة للتنفيذ والتقييم والمراجعة، وكذلك القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى الذى أكد فى مبادئه وأهدافه احترام الديمقراطية وتعزيز مشاركة الشعب فى أنشطة الاتحاد، وغيرها من الوثائق والاتفاقيات الإفريقية؛ حيث أصبحت الديمقراطية مطلبًا شعبيًّا لا يمكن تجاهله فى البيئة السياسية الإفريقية الراهنة متوافقة بذلك مع أجندة أولويات النظام الدولى تجاه القارة الإفريقية(5).
كما تعاني دول أفريقيا جنوب الصحراء من انقسامات طائفية واثنية وعرقية تستغلها حكومات هذه الدول في القضاء على أي احتجاجات حيث تتبع حكومات هذه الدول مبدأ "فرق تسد" divide and rule ، هذا إضافة إلى السيطرة الأمنية لهذه الحكومات وتصديها بعنف لأي محاولة للاحتجاج.
ويشير ما سبق إلى ضعف احتمال انتقال نموذج الثورة المصرية إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء حتى مع تشابهها مع مصر في القضايا الرئيسية التي كانت من أسباب قيام الثورة كالفساد والفقر والبطالة والظلم والاستبداد وانعدام الحريات. واذا كانت الدول الافريقية جنوب الصحراء تفتقد المقومات اللازمة لتحقيق ثورة على غرار الثورة المصرية إلا أنه يجب على السياسة الخارجة المصرية أن تعمل على تعزيز علاقاتها مع هذه الدول والوصول إلى شراكة تخدم مصالح الطرفين وتحقق لمصر من جديد مكانتها في القارة الأفريقية خاصة وأن الثورة المصرية قد أكسبت مصر احتراماً دولياً واسعاً, مما سيعطيها القدرة على التحرك بشكل أكبر في القضايا الإقليمية الأفريقية. خاصة وقد أصبح مطلوباً من السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة المزيد من الاهتمام بمحيطها الإفريقي، وتنمية نقاط قوتها وتقليل نقاط الضعف التي شابتها في السنوات الأخيرة وجعلتها تبتعد عن قارتها الأفريقية ومجال انتمائها الأساسي والأصلي الذي لا يمكن أن تنفصل عنه أو تبتعد أو يعتقد البعض أنه يمكن فصل مصر عن مجالها الحيوي، وذلك باعتبار ما تمثله إفريقيا لمصر من أهمية كبرى لارتباط الأمن المصري بالأمن الإفريقي سواء من ناحية الانتماء الجغرافي أو من ناحية مياه النيل، لذلك فإن كل ما يحدث من قضايا فى إفريقيا يمس مصر بشكل مباشر ولا يمكن أن تبقى بمنأى عنه أو لا تهتم بالعلاقات المصرية الإفريقية وخاصة المناطق الحيوية مثل دول حوض النيل ومنطقة القرن الإفريقي على البحر الأحمر(6).
وهناك مؤشرات تدل على عودة الاهتمام بالعلاقات المصرية الأفريقية، وهو الاهتمام الذي يجب استثماره على أكثر من ناحية، في تعزيز الوجود المصري في دول حوض النيل من خلال مشروعات تنموية واقتصادية تحقق مصالح الطرفين، وتعزيز العلاقات مع باقي الدول الأفريقية من خلال الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعلمية والثقافية سواء من خلال الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا أو المنظمات الأفريقية وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية وكذا أن يكون لمصر دوراً فعالاً في معالجة مشاكل القارة وحل الصراعات وحفظ السلام ورفض التدخل الأجنبي في مشاكل القارة.
الهوامش
(1)
McConnell, T. Will sub-Saharan Africa's frustrated masses join the wave of revolts in
(2)
www.english.aljazeera.net/indepth/features/2011/02/2011221642546254698620.html.
(3)
www.ecfa-egypt.org/
(4) نانيس عبد الرازق فهمي،السياسة الخارجية المصرية تجاه السوق المشتركة لشرق وجنوب القارة الأفريقية كوميسا) في الفترة 1998-2004)،رسالة ماجستير غير منشورة،(القاهرة:كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،2007)، ص54.
(5) نانيس عبد الرازق فهمي، مرجع سبق ذكره، ص93.
(6) نانيس عبد الرازق فهمي، مرجع سبق ذكره، ص6.
نانيس عبد الرازق فهمي
باحثة دكتوراه في العلوم السياسية