الشبكة العربية للتنمية المستدامة نقلًا عن بوابة الأهرام: بعد أن جرت على أرضها حروب ومعارك، وشهدت، على مدى أكثر من 6 عقود، موجات من الإرهاب عابرة للحدود والقارات والملل والنحل والأديان، تدخل سيناء في جولة تحد ومعركة من نوع آخر، معركة التنمية، التي كان لغيابها كل هذا التراجع الذي تشهده، والتنمية هي الحصن المنيع والعلاج المؤكد الذي يواجه الإرهاب بكافة صوره وأشكاله.
وبعد تراجع العنف ودحر الإرهاب، فإن التنمية تبقى هي المظلة الواقية لتحقيق الأمن المستدام للوطن، وهي التي تمكن المواطن، بدوره، من صيانة هذا الأمن، الذي أنجزته باقتدار مؤسساتنا الأمنية.
وبالرغم من تعدد خطط تطويرها، وتوالي ميزانيات تمويلها، وتراكم دراسات تنميتها، فإن شمال سيناء مازالت تستحوذ على جملة من المتناقضات، حيث تتمتع مواردها والندرة والتميز، إلا أنها الأفقر دخلا بين المحافظات، وكانت الأكثر جذبا للعمل والإقامة، فأصبحت تعاني ندرة فرص العمل والهجرة العكسية، والسبب الأساسي هو وقوعها على خط التماس مع ”الخطر الخارجي“ عند حدودنا الشرقية، إلى جانب تباعد المسافات بين التجمعات البدوية، والقبلية، والحضرية.
في عام 2010، نشر مركز الدراسات المستقبلية بمجلس الوزراء تقريرًا حول سيناء، كشف فيه عن تواضع التنمية، وتزايد شكاوى سكانها، خاصة البدو، من سوء الأوضاع، وتراجع معدلات النمو، رغم تعدد خطط تطويرها، ورصد التقرير بعدًا خطيرًا، وهو أن العديد من أبناء سيناء يواجهون صعوبة في استخراج جوازات سفر إلا بعد تقديمهم إثباتاً لهويتهم المصرية، وأشار إلى أهمية قضية تمليك الأراضى فى سيناء، واعتبرها أحد أهم معوقات الاستثمار والتنمية، مطالبا بضرورة تحقيق نمو متوازن بين الموارد والعدالة الاجتماعية، وتوفير فرص العمل للسكان الأصليين، وتشجيع الهجرة السكانية من وادي النيل إلى سيناء.
في عام 2012، ومع غياب الرموز القيادية في المحافظة، وكذلك دور المشايخ، ونواب الأحزاب، ورموز المجتمع المدني، فقد سعى ائتلاف لمثقفي شمال سيناء للبحث عن دور ورؤى للمشايخ ورجال العائلات والقبائل لبلورة أفكار أبناء سيناء وآمالهم نحو المستقبل، وقد ارتكز الائتلاف، علي بنية وطنية أساسها العدل، وجدارها العطاء وسقفها الولاء للوطن.
واليوم، أوشكت سيناء على أن تتخلص من الإرهاب ومن حقول الألغام المادية والمعنوية، لتعود إليها الحياة ويتحقق لها النماء، فإذا كانت تنميتها تحتاج إلى إرادة سياسية، فإنها تتواجد اليوم، فقد وجهت بزيارة لرئيس الوزراء و7 وزراء، في أول زيارة رسمية بهذا المستوى منذ أكثر من 10 سنوات، لتحمل العديد من الرسائل المطمئنة، بصحبة وزراء الكهرباء، والتموين، والعدل، والصحة، والإسكان، والتنمية المحلية، والتعليم العالي والبحث العلمي، واللواء أركان حرب محمد عبدالرحمن ربيع، قائد الجيش الثاني الميداني، ووليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة لتنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وبعد أن عاد لسيناء الأمن والاستقرار، بفضل الجهد الذي بذلته القوات المسلحة والشرطة، أشار رئيس الوزراء، إلى توجيهات محددة من الرئيس لتنمية سيناء، عبر مسار تنموي متطور ومتكامل يشمل مدنها وقراها.
وبالتوازي مع الجهد الرسمي متزامنًا معه، بدء دور المجتمع المدني هناك للقيام بدوره المأمول، حيث تم إنشاء "المنتدى المصرى للتنمية المستدامة فرع شمال سيناء"، والذي يبدأ العمل مع المنتدى بالقاهرة، والمشاركة لارتباطه بمستجدات نظم التنمية الدولية ونظرياتها وتطبيقاتها الناجحة، وكذلك التنسيق والتعاون مع الوزارات المعنية بالتنمية، كما يوضح المهندس عبدالله الحجاوي منسق منتدى شمال سيناء، مدير عام شئون البيئة السابق، بأن التنمية المستدامة هو مصطلح اقتصادي اجتماعي عالمي، وضعت به الأمم المتحدة خارطة التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية على الكوكب، بتحسين ظروف المعيشية لكل فرد في المجتمع، وتطوير وسائل الإنتاج، والعمل من خلال أعضاء متخصصين في كافة مجالات التنمية، بما يكفل المناقشة على أسس علمية، تساندها مقترحات بالمشاركة المجتمعية من ذوي الخبرات والتجارب التطبيقية.
وفور استكمال الأعمال والإجراءات التنظيمية للمنتدى، سيشرع المنتدى في البدء في المراحل التنفيذية للعديد من الدراسات والبرامج الجاهزة، مثل دعم عودة المزارعين لمزارعهم، حتى تكون هناك تنمية مستدامة حقيقية، وفتح فرص العمل لمن حرموا من مزارعهم، فضلا عن مشروع فائق الأهمية وهو حفر الآبار الجوفية باستخدام الطاقة الشمسية، ليوفر مياه الري، عبر الطاقة الخضراء، ويخفف من حجم الكربون الناتج من مصادر الطاقة التقليدية.
برنامج آخر للمجتمع المدني، هو تنمية موارد نساء الأقاليم الصحراوية، وكانت البداية من العريش، من خلال البرنامج الإقليمي "زمالة مصر الخير لممارسي التنمية المحلية المستدامة"، بالشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعي وجامعة بني سويف، والمعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة والشبكة العربية للمنظمات الأهلية وبرنامج الـ UNDP، ورواد التنمية بالوطن العربي، كما توضح المشاركة في البرنامج د. سهام عز الدين جبريل عضو المجلس القومي للمرأة، عضو البرلمان السابق عن سيناء.
لاشك أن مرحلة جديدة بدأت في سيناء، ولأن التحديات التي واجهت ومازالت تواجه سيناء وأهلها تختلف، هناك ضرورة لاعتماد أسلوب مختلف معها ومع أهلها، وكما قال عضو البرلمان الراحل ابن سيناء د. حسام رفاعي: "سيناء قضية وطن وليست أزمة وطن"، نعم فإن التنمية هناك هي قضية شعب يشارك، وليست فقط مسئولية حكومة تنفذ.