الريادة الاجتماعية.. الفكر والهدف لتحقيق التنمية المستدامة
الكاتب : إدارة الموقع
الأحد 09 يونيو 2024 الساعة 07:18 صباحاً
بينما يتزايد انتشار الريادة بشكل متسارع بين الشباب الأردني، بأفكار مبتكرة تسعى لحل مشاكل مجتمعية واقتصادية، يؤكد نشطاء في هذا المجال أهمية "الريادة الاجتماعية" كمفهوم يقوم على الهدف الاجتماعي مع السعي لربح يضمن الاستدامة للمشروع ما يمهد الطريق للتنمية المستدامة.
وأوضح الخبراء أن هنالك فرقا بين مشاريع ريادة الأعمال التي تقوم بشكل خالص على " البزنس" بهدف ربحي، وبين مشاريع الريادة الاجتماعية التي تقوم في جوهرها على " الهدف الاجتماعي"، داعين الى زيادة الانتباه لهذا النوع من الريادة ودعمه بالشكل المطلوب وتسهيل عمله من ناحية التسجيل والإجراءات الحكومية لتساهم بشكل عام في أحداث التنمية الاقتصادية المطلوبة.
ويمكن تعريف الريادة الاجتماعية بأنها الفكرة الابتكارية التي تعالج قضية اجتماعية، وقابلة للتطبيق كمشروع ريادي يحل المشكلة ويحقق أثرا اجتماعيا واستدامة.
و"الريادة الاجتماعية" هي مفهوم جديد يتمخض من التحديات الاجتماعية لإيجاد حلول لمشكلات مجتمعية، معتمدا على سعي الإنسان للخير ليتقاطع مع العمل التطوعي الخيري بيد أن العمل التطوعي يقوم على توزيع المنافع والخدمات للمجتمع مجانا بعيدا عن تحقيق الربح المادي، بينما تعمل الريادة الاجتماعية وفقا للأساليب التجارية المعروفة بما فيها تحقيق الأرباح، لكن القيمة الاجتماعية هي الجوهرية، والسعي لتحقيق الربح إنما هو من أجل تحقيق استدامة مالية للمشروع الريادي.
وفي المقابل يمكن تعريف التنمية المستدامة على أنها العملية التي تمكن من إشباع حاجيات الأجيال الحالية وتحقيق رفاهيتهم (بما في ذلك ذوي الدخل المحدود والفقراء) دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على إشباع حاجياتهم، آخذة بعين الاعتبار تحديات الحفاظ على الأنظمة البيئية ومحدودية الموارد الطبيعية القابلة للتجدد إذ تسعى التنمية المستدامة إلى التوفيق بين الأبعاد الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
من الرياديات المتميزات في مضمار الريادة الاجتماعية الأردنية هي الريادية روان بركات التي قالت "إن مشروعها تأسس في العام 2009 ليحمل اسم " رنين" مشروع والذي تخصص في مجال التعليم وتنمية مهارات الاستماع والتواصل عند الطلبة وخصوصا المكفوفين من خلال القصص المسموعة القصة، وبرامج تثير التفكير الناقد، وتوظيف الدمى لإيصال فكرة مضامين تعليمية، وتقديم ورش تعبيرية؛ وورشات نقاشية مع الأطفال، وساعد المعلمين على استخدام البرنامج لتطوير مهارات المعلمين في التعليم".
وبينت أن مشروعها ليس للأطفال المكفوفين، بل لكل الأطفال لتحفيزهم على القراءة وتنمية خيالهم ليكونوا أكثر إبداعا، مبينة أن المشروع منذ انطلاقته استطاع أن يفيد أكثر من 50 ألف طالب وطالبة وحوالي ألفي معلم ومعلمة، وهو الأمر الذي ساعد كل هؤلاء في الحصول على المعلومة والمعرفة وزيادة تأهيلهم لحياتهم المستقبلية وفي تقديم إسهامات لتطوير قطاع التعليم بشكل أو بآخر.
وتنظر بركات إلى الريادة الاجتماعية ببساطة على أنها " إيجاد حلول مبتكرة قابلة للتنفيذ لمواجهة مشكلات مجتمعية والتغلب على هذه المشكلات"، لافتة إلى أن علاقة وطيدة بين الريادة الاجتماعية والتنمية المستدامة لان هذا النوع من الريادة عادة من يستهدف حل المشاكل في قطاعات حيوية مرتبطة بالتنمية مثل التعليم والصحة والبيئة وتأهيل الشباب، الدمج المجتمعي والمساواة وغيرها الكثير من المحاور.
المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"نادي إبداع الكرك"حسام الطراونة يرى أن الريادة الاجتماعية في الأردن ما تزال مفهوماً جديداً غير شائع ولا يحظى بالاهتمام الكافي رغم أهميته لدوره التنموي، مؤكدا أهمية العمل على تأطير هذا المفهوم من خلال قوانين ناظمة له مثل تأسيس الشركات الاجتماعية كما هو في الدول المتقدمة وأن لا تبقى فكرة الريادة الاجتماعية محصورة في مفهوم الجمعيات.
وعرف الريادة الاجتماعية على أنها "نموذج مبتكر يهدف إلى تأثير إيجابي ومستدام في المجتمع" ، مبينا أن هذا النموذج يعنى بتطوير حلول فعالة، مستدامة ومبتكرة للتحديات الاجتماعية ويسعى لحل مشكلات مثل الفقر، التعليم، البطالة، الصحة والبيئة وغيرها من المشكلات التي تواجه المجتمعات والاقتصاد بشكل عام.
وأكد الطراونة، وهو يقود نادي إبداع الكرك كمؤسسة غير ربحية تخصصت في تحفيز الشباب على الإبداع والريادة والابتكار: " ان الرواد الاجتماعيين يسعون إلى إحداث تغيير إيجابي من خلال وسائل تتراوح بين تقديم خدمات جديدة، تطوير تقنيات جديدة أو تحسين الأنظمة القائمة".
وأوضح أن الريادة الاجتماعية تجمع بين التفكير الريادي المبتكر والهدف الاجتماعي مما يجعلها أداه قوية لتحقيق التنمية المستدامة
وتحسين جودة الحياة في المجتمعات المختلفة من خلال الوصول إلى التعليم الجيد، خدمات صحية للجميع، وتقديم الخدمات الأساسية.
وعن علاقة الريادة الاجتماعية بالتنمية المستدامة أكد الطراونة أن العلاقة بين المفهومين هي علاقة وطيدة، حيث ان الريادة الاجتماعية تساهم بشكل فعال ومؤثر وأساسي في تحقيق( أهداف التنمية المستدامة) التي وضعتها الأمم المتحدة عام 2015 وتمثل 17 هدفا مثل القضاء على الفقر والجوع، ضمان التعليم الجيد، تحقيق المساواة بين الجنسين وتوفير والحفاظ على المياه النظيفة والطاقة المتجددة.
وعن دور "نادي الإبداع-الكرك "، الذي تأسس قبل 14 عاماً بين الطراونة انه سعى منذ البداية لإنشاء هذا النموذج المبتكر في الريادة الاجتماعية، ليكون " الحاضنة" لتأهيل الشباب علمياً ورفع مهاراتهم وقدراتهم وإطلاق الطاقات الكامنة لديهم، من خلال دورات تعليمية على مدار العام في مختبرات علمية متقدمة وقاعات تدريب حديثة من خبراء مختصين في العلوم والتكنولوجيا، حيث يقدم النادي كافة دوراته مجاناً للجميع استنادا إلى رؤية النادي بأن التعليم حق وليس امتيازا والتعليم مجاناً للجميع وإلى إيمانه بأهمية التعليم المستمر مدى الحياة ولا ينتهي التعليم بالتخرج من الجامعة.
ودلل على أثر النادي مع تمكنه على مدر 14 عاماً من تعليم وتدريب ما يتجاوز 33 ألف شاب وفتاة مجاناً على مختلف المجالات التقنية والعلمية والمهارات الحياتية، وهو ما يفتح الأبواب أمام هؤلاء الشباب لتحسين فرص حصولهم على وظائف أو تأهيلهم لتأسيس مشاريعهم المستقبلية.
وبلغة الأرقام، أظهرت دراسة ومسح شامل عن قطاع الريادة الاجتماعية في المملكة انجزت في الربع الأخير من العام 2022 أن هناك 301 مؤسسة تعد الأقرب لمفهوم "الريادة الاجتماعية"، من حيث طريقة التأسيس والعمل والأثر الاجتماعي على المجتمع، وأن أكثر من 61 % منها يتركز عملها في 3 محافظات رئيسية فقط هي عمّان، إربد والزرقاء.
ومن جانبه قال الريادي الأردني محمد أبو عميرة "إن مشروعه " مبادرة حارة" هي من مشاريع الريادة الاجتماعية التي انطلقت قبل 19 عاما وما تزال مستمرة في إحداث الأثر بتحفيز حركة مجتمعية محلية، تنمويــة حضـرية، لبناء النسيج الاجتماعي في "الحارة" والعمل على بحث وحل المشكلات والتصدي لها عبر حلول تشاركية واقعية مستدامة والمشاركة بتنفيذها وتمويلها بشكل جماعي".
وبين أبو عميرة أن مفهوم الريادة الاجتماعية والذي يعد من المفاهيم الحديثة نسبيا يمكنه التأثير على إحداث تنمية مستدامة بأشكال ومحاور مختلفة لا سيما وانه يقوم في الأصل على الهدف الاجتماعي أكثر من الهدف الربحي.
وأكد أن مبادرة حارة تسعى لجمع أفراد الحارة في مناطق مختلفة في الأردن لتحقيق أهداف وحل مشاكل مثل المحافظة النظافة والحفاظ على البيئة وتجميلها وترميم الحارة لجعلها حاره خضراء وصديقة للبيئة، والتعاون مثلا على تعليم الأبناء وإصلاح المرافق العامة وحماية ممتلكات الأهالي، لافتا إلى أن المبادرة تدعم الأفكار الريادية التي تقدم حلولا مجتمعية بالحارة ، عبر احتضانها وتنميتها لتأطيرها لتصبح فاعلة بالحارة وجوارها الأوسع.
من الداخلين الجدد على مضمار الريادة الاجتماعية الريادية الأردنية الشابة أسيل شقرة التي قالت إن "الريادة الاجتماعية هي فكرة إبداعية تطوع التكنولوجيا أو غيرها من الأدوات المتاحة لحل مشكلة تواجه شريحة معينة من المجتمع، أو مشكلة عامة تواجه المجتمع وذلك عبر خدمات أو منتجات أو نماذج أعمال".
وأكدت شقرة ، التي تشرف على مشروع ريادة اجتماعية يحمل اسم " حواس" بان معظم مشاريع الريادة المجتمعية تواجه بشكل كبير تحدي التمويل والدعم المادي لا سيما وانها في معظمها تقوم في جوهرها على خدمة المجتمع وليس لتحقيق الربح.
وقالت شقرة إن" مشروعها يقوم على منصة إلكترونية توفر محتوى عربيا صوتيا للأفلام والمسلسلات خاصة بالأطفال المكفوفين ليتسنى لهم الاستمتاع بمشاهدتها وتقليل شعورهم بالاختلاف قدر الإمكان وزيادة فرصهم في الحصول على التسلية والمعلومة والمعرفة وبالتبعية المساهمة في عملية تعليمهم وتأهيلهم للمستقبل".