د.هاني أبو العلا يكتب: دور الجامعات في التنمية المستدامة.. التمثيل المُشَرِف

الكاتب : إدارة الموقع الأربعاء 22 يناير 2025 الساعة 07:49 صباحاً

 لا شك إن الجميع يعمل من أجل بناء مستقبل واعد لأبنائنا، لكننا إذ نجتهد من أجل ذلك، فنحن نعبث بمقدراتهم، وحينما يتعلق الأمر بتحديات وجودية نحن نخلفها للأجيال المستقبلية، فإننا جميعًا نتقاسم المسؤولية والعواقب، ويصبح واجباً علينا جميعًا التأكد من أننا نقوم بواجبنا.

وفي هذا السياق، فقد التزمت الدولة المصرية بخطة واستراتيجية طويلة المدى لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في جميع المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المختلفة، واستندت رؤية مصر 2030 على مبادئ "التنمية المستدامة الشاملة" و"التنمية الإقليمية المتوازنة" في أبعادها الثلاث: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي انبثاقاً من معايير التنمية المستدامة، التي وضعتها الأمم المتحدة. وفي هذا الساق، فقد أصبحنا كثيراً ما نرى عناوين براقة لمجموعة من المؤتمرات والندوات في عدد من الجامعات المصرية، ترفع جميعها شعار "التنمية المستدامة"، فمما مدى  اسهاماتها الحقيقية لدعم خطة الدولة المصرية ورؤيتها - أم إنها بالكاد لا تعدو "التمثيل المُشَرف!"
ومن أجل أن نُقَرب الرؤيا للقارئ الكريم، ففي السطور التالية نسرد بشئ من التبسيط لماهية قضية التنمية المستدامة وتحدياتها والدور الذي يلعبه عدد من الجامعات الدولية في هذا المجال. فمع تعقد الحياة البشرية، والسعي الدءوب نحو استغلال المتاح من الموارد بُغية في مستوى معيشي أفضل، فقد جار الإنسان على الأرض والماء والهواء، بما أصبح يُهدد الأجيال القادمة. وكان لابد من وضع  دليل يُوجه الجهود البشرية من أجل الحفاظ مستقبل يتسم بالنمو الاقتصادي المتوازن مع الحفاظ على البيئة والعدالة الاجتماعية، فيما يسمى بالتنمية المستدامة، تلك التي تعني بالتنمية البشرية في مجالاتها الثلاث (الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية) دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. وربما يبدو الأمر بسيطاً في الكلمات السابقة، إلا إن الممارسة العملية ليست بالأمر السهل، بل إنها تتطلب تضافر العديد من الجهود، خصوصاً إن هناك العديد من التحديات، التي من أهمها ما يأتي:
• النمو السكاني مع التوسع الحضري السريع، بما يشكل عبئا على البنية التحتية والخدمات والموارد.
• الاستغلال الجائر للموارد البيئية، ما يؤدي إلى فقدان الموائل، والتلوث، واستنزاف الموارد.
• محدودية الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، كالمياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم، التي تقف عقبة أمام مبادرات التنمية المستدامة.
• التغير المناخي، الذي يضع النظم البيئية والمجتمعات والاقتصادات في خطر كبير، ويتجلى ذلك في ارتفاع درجات الحرارة، والظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها.
• الفقر والتفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، ما يؤدي إلى خنق فرص للتقدم الشخصي والاقتصادي.
وقد جاء توفير التعليم الجيد الميسور كأحد معايير التنمية المستدامة السبعة عشر، بجانب باقي المعايير، كالقضاء على الفقر والقضاء على الجوع  وتوفير مستلزمات الحياة، والعمل اللائق وغيرها. وقد ظهر مفهوم جديد يسمى " التعليم من أجل التنمية المستدامة" يعني بإدراج قضايا التنمية المستدامة الرئيسة، كالتغير المناخي، والحد من مخاطر الكوارث، والتنوع البيولوجي، والحد من الفقر في المقررات التدريسية. كما إن للجامعة دوراً أكبر في خدمة المجتمع وتثقيفه، من خلال علماءها  وتلك القوة بشرية، المتمثلة في طلابها، كما يمكنها المشاركة بإيجابية في التصدي للمشكلات الدولية والقومية، بهدف خلق مجتمعات واعية لأهمية الاستعمال الرشيد للموارد دون تقويض لسلامة الكوكب، من أجل تحقيق التوازن بين احتياجات الاقتصاد والبيئة والرفاهية الاجتماعية.
وقد أدركت الجامعات في جميع أنحاء العالم هذا الدور المركزي، الذي تستطيع أن تلعبه في توفير مستقبل أفضل أكثر استدامة بجانب دورها التعليمي. وفي هذا السياق، فقد نشرت شبكتان عالميتان، هما: الشبكة الدولية للحرم الجامعي المستدام (ISCN) والمنتدى العالمي لقادة الجامعات (GULF) تقريرا لبعض أفضل الممارسات للإجراءات التي تتخذها الجامعات لتحقيق التنمية المستدامة، وكانت تجربة  جامعة أنجليا روسكين Anglia Ruskin University (المملكة المتحدة) رائدة، حيث أصبحت الاستدامة متطلباً دراسياً أساسياً في كل البرامج التدريسية، كما تم دمجها في العديد من الأنشطة والمعارض الفنية للطلاب والبرامج التطوعية. بينما قامت جامعة شتوتجارت للعلوم التطبيقية University of Stuttgart (ألمانيا) بإنشاء مركز خاص للتنمية المستدامة يتولى التدريس والبحث وخدمة المجتمع في مجالات التنمية المستدامة. أما إمبريال كوليدج Imperial College (لندن) فقد وضعت أهداف التنمية المستدامة في قلب جميع برامجها التدريسية.
وحينما نطوف بين جامعات العالم، نجد الاهتمام مُنصباً على الممارسات العملية للاستدامة، فعلى سبيل المثال، اكتسب برنامج الاستدامة SEEDS لدراسات التنمية الاقتصادية الاجتماعية والبيئية بجامعة كولومبيا البريطانية The University of British Columbia (كندا) شهرة كبيرة، ذلك الذي يتبنى عدد كبير من مشاريع الاستدامة المبتكرة والمؤثرة. وعلى نحو متصل، فإن نظام إدارة الكربون بجامعة أكسفورد University of Oxford يتبنى تطوير المشاريع المتعلقة للحد من انبعاثات الكربون في جميع أنحاء الحرم الجامعي. أما مدرسة Ecole Polytechnique Fédérale de Lausanne (EPFL) في سويسرا فهي تقدم مجموعة من الدورات التثقيفية حول قضايا التنمية المستدامة ومجالاتها لطلاب العلوم والهندسة في السنة الدراسية الأولى كمتطلب تعليمي. كما طورت جامعة جنيف University of Geneva في سويسرا برنامجًا لدرجة الماجستير في التنمية الحضرية المستدامة، يهدف إلى تطوير خبرات الطلاب في مجالات، الجغرافيا، والهندسة المعمارية، وعلم الاجتماع، والاقتصاد الحضري والإقليمي، والقانون، ونظم المعلومات الجغرافية.
وفي السايق ذاته، فأن جامعة كوينزلاند  University of Queensland الأسترالية تعطي الأولوية للاستدامة من خلال تقديم برامج تدريسية تركز على الطاقة المتجددة والحفاظ على التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة والتغير المناخي، ومعايير البناء الأخضر، وقد طورت استراتيجية الاستدامة الخاصة بها بناءً على أهداف التنمية المستدامة السبع عشر للأمم المتحدة.
ومن بين أفضل 10 جامعات حول العالم تنفذ استراتيجية الاستدامة تأتي جامعة كاليفورنيا University of California بفروعها، ففي ولاية لوس أنجلوس الأمريكية، رفعت الجامعة شعار "جعل كوكبنا مكانًا أكثر صحة يشارك فيها الجميع"، والتزمت بعدد من المسئوليات منذ عام  2004، منها مبادرات الحد من النفايات، والحفاظ على المياه، ومشاريع الطاقة المتجددة، وأنظمة الغذاء المستدامة، فضلاً عن إقامة مراكز للبحوث والعلوم والسياسات البيئية. كما اضطلعت الجامعة بفرعها في سانتا باربرا بدورها في تحقيق الاستدامة، حيث استخدمت حرمها الجامعي كمختبر حي لتصبح أكثر استدامة. لتتضمن أنشطتها مشاريع حول الطاقة المتجددة والتغيرالمناخي، والحفاظ على المياه، والمبادرات التي يقودها الطلاب لتعزيز الوعي البيئي. أما في سان فرانسيسكو فقد ساهمت جامعة كاليفورنيا في تخفيض إجمالي الانبعاثات بنسبة 60% حيث يحتوي حرم الجامعة على أكثر من 6.2 ميجاوات من الطاقة الشمسية، توفر حوالي 15% من الطلب الكهربائي في الجامعة.
أما جامعة أمستردام University of Amsterdam بهولندا، فقد التزمت بممارسات الاستدامة من خلال تنفيذ معايير البناء الأخضر، وتقليل انبعاثات الكربون، وتعزيز النقل المستدام، ودمج الاستدامة في البرامج الأكاديمية، إلى جانب العمل على تقليل بصمتها الكربونية بنسبة 25% على مدى السنوات الخمسة المقبلة. كذلك فإن جامعة زيوريخ السويسرية قد أعطت الأولوية للاستدامة من خلال المشاريع البحثية، والبنية التحتية الموفرة للطاقة، وبرامج إدارة النفايات، والشراكات مع الوكالات الحكومية لمعالجة القضايا البيئية.
لاشك إن الأمر جلل وهو أكبر من مجموعة من الممارسات والشعارات الشكلية، والتساؤل مطروح، فمع وجود خطة واسترتيجية ورؤية قومية للتنمية المستدامة، ومع وجود علماء وباحثين أكفاء وعدد كبير من أقسام الجغرافيا والتخطيط العمراني والاجتماع والاقتصاد وغيرها، وإذا كان بالإمكان تحديث اللوائح التدريسية وخطط الأنشطة المجتمعية، أليس للأجيال القادمة علينا حق أن نحفظ مقدراتهم؟ ألم يأن الأوان أن نتكاتف خلف خطتنا القومية؟ أم أننا سوف نكتفي بالتمثيل المشُرَف!
حفظ الله مصر وحفظ جامعاتنا
 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي