النفايات الإلكترونية .. خطر جديد يواجه البشرية؟!

مدرس القانون الدولي والعلاقات الدولية- عين شمس
الكاتب : د. هشام عمر الشافعي السبت 25 مايو 2013 الساعة 10:28 صباحاً

 

 

أصبحت قضية تلوث البيئة والحد منها أكثر ما يقلق البشرية اليوم، فالتدهور الناتج عن التصرفات البشرية الغير مسئولة،  بدأت تتجلى آثارها بوضوح من خلال المشاكل المناخية والبيئية والصحية التي بدأت تظهر وتتفاقم بسرعة وبشدة. فمن الاحتباس الحراري  إلي اتساع طبقة الأوزون وارتفاع درجات الحرارة وذوبان الثلوج وموجات الأعاصير والجفاف التي تضرب مناطق مختلف من عالمنا اليوم مهدده الإنسان بما هو أشد وأثقل إن هو استمر في إفساد الأرض بغير رشد وبدون ميزان حساس يستطيع وزن استخدامه لها .

ومع هذا الإفساد وفي غمرة التقدم التكنولوجي وذلك التسارع الهائل في إبداعات العقل البشري الذي لا يتوقف ثانية واحده فجاه بدأت البشرية تدرك خطورة التراكم اللامتناهية من جبال النفايات الإلكترونيات والتي بدأت مع انطلاقة ثورة الاتصالات الإلكترونية في العقد الأخير من القرن العشرين ومع اتجاه الدول المتقدمة والصناعية ممثلها بشركاتها العالمية المصنعة للأجهزة الإلكترونية سباقا محموما في جذب أكبر عدد من المستهلكين لمنتجاتها المتجددة والمتميزة وإغرائهم بالشراء والتجديد في آن واحد وهو ما حول استهلاكنا إلي دائرة لا تنغلق.

إن النفايات الإلكترونية تمثل في الوقت الحاضر مشكلة أصبحت تؤرق العالم بسبب المخاطر البيئية والصحية التي تحدثها نتيجة لتراكمها وتقادمها وصعوبة التخلص منها أو إعادة تدوير بعض موادها وهو ما مثل تحدي أمام الدول المتقدمة وان كانت الدول النامية أشد ضررا وبالأخص في حالة تصدير الأجهزة المستخدمة إليها أو تصدير الأجهزة الإلكترونية الأقل جودة والأرخص سعرا والأقل مواصفات أو المستخدمة سواء كان بدافع التجارة أو المساعدة وهو ما يؤثر في كلا الحالتين على تلك الدول من ناحية الاستنزاف المستمر لاقتصادياتها وتدمير البيئة بجبال نفاياتها أو بسبب عجز تلك الدول عن تجميعها واستحالة قدرتها على تدويرها .

-حجم النفايات الإلكترونية

النفايات الالكترونية نوع من التلوث البيئي والذي يطلق عليه (الخطر المخفي) فالكثير من أنواع التلوث الناتج من مخلفات المصانع كالمواد الصلبة أو السائلة أو الغازية المنبعثة من المصانع ممكن تحديد تلوثها من خلال الرؤية أو الرائحة ولكن الأشد خطورة والتي لا يمكن تحديد خطرها هي النفايات الإلكترونية.

فكل الأجهزة تلك تشترك في صفتين تجعلها من النفايات الإلكترونية وهي كونها تمتلك إما لوحة إلكترونية أو أنبوب الأشعة الكاثودية وهذا الأخير يحتوي على نسب من الرصاص بمستويات تؤدي إلى زيادة الخواص السمية وبالتالي تنتج نفايات خطرة أما واقع حال النفايات الحاسوبية فيتوقع أن يصل عدد الحواسيب الشخصية على مستوى العالم ملياري جهاز بحلول عام 2014 وأن يكون معدل الزيادة السنوية ما يقارب 12% سنويا. أي أن الأجهزة التي تنتج حتى عام 2014 سوف تصبح أغلبها في عداد النفايات مما يتطلب التخطيط المستقبلي لكيفية التخلص من هذا الكم المتراكم من أجهزة الحاسوب ففي عام 2004 وحده، أصبح نحو 315 مليون حاسوب شخصي مهتلكاً. كما تم إنتاج 850 مليون هاتف نقال في عام 2005.

وقد صرح الاتحاد الدولي لمشغلي الهواتف النقالة إن عدد الاشتراكات في الخطوط الهاتف المحمولة سيرتفع عالميا من 3,9 مليارات العام 2008م إلى 5,6 مليارات العام 2013 م بينما يبلغ عدد مشتركي الدول العربية 177مليون مشترك,فطبقا لتقرير كشفت عنة الجمعية العربية لمشغلي الهاتف النقال أن عدد مستخدمي الهواتف المحمولة في العالم العربي سيرتفع إلي 200 مليون بنهاية عام 2008م مقابل 177 مليون حاليا وبالتالي فان عدد البطاريات المستخدمة لتلك التلفونات تبلغ ضعف عدد التلفونات وهو ما ينذر بكارثة بيئية ناتجة عن سوء التخلص من نفاياتها على اعتبار أن بطاريات التلفونات تعتبر الأكثر تلويثا للبيئة فهي تحتوي مادة اللثيوم والرصاص التي تعتبر من اخطر المواد تلويثا للمياه و تأثيرا على الانسان.

وأشار بحث أجرته مؤسسة فورستر للبحوث والإحصاء إلى احتمال أن يتضاعف عدد أجهزة الحاسب الشخصي التي يمتلكها الأشخاص العاديين بحلول عام 2010 ليصل إلى 1.3 مليار جهاز.

وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع كمية النفايات في البلدان النامية من حوالي 300 مليون طن في عام 1990 إلى حوالي 580 مليون طن في عام 2005. ومؤكدا أن المخلفات الإلكترونية لا تزال ترمى عشوائيا.

إن تصنيع معظم تكنولوجيا المعلومات يعتمد بشدة على المواد الكيماوية، ونتيجة لقصر عمر هذه المنتجات فإنها تخلف جبالاً من المخلفات الإلكترونية التي تسمم موارد المياه الجوفية وتهدد صحة الإنسان.

-خطر النفايات الإلكترونية

لا يقتصر خطر النفايات الإلكترونية على الإنسان وحده بل يتعدى ذلك إلي البيئة بكل مكوناتها من حيوان ونبات وطيور وهواء سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على المدى القصير المنظور أو المدى الطويل الغير منظور وينبع خطر النفايات الإلكترونية من المواد الكيميائية الداخل في العملية الصناعية لتلك النفايات الإلكترونية فإذا كانت جماعة الخضر تبين بعض من النواح السلبية للنفايات الالكترونية من خلال بعض الإحصائيات فعلى سبيل المثال احتوت شاشات التلفزيون والكمبيوتر المعدة على تقنية Cathode ray tube والمباعة عام 2002 على عشرة ألاف طن من مادة الرصاص السامة والتي تؤثر على الدم ونسبة الذكاء عند الأطفال إن تعرضوا لها عند تكسر أحد الأجهزة .

أما الأسلاك الكهربائية والتي لا يخلو جهاز اليوم منها فهي معزولة بمادة الPVC والتي لا تتحلل بسهولة وإن احترقت تصدر غازات سامة تؤثر على الصحة.

كما إننا نجد في البلدان الأوروبية العديد من الأماكن لتجميع البطاريات وبعض الأجهزة المستغنى عنها للتخلص منها بطرق سليمة كما أن بعض المصنعين يطلبون من المشتريين إعادة الجهاز لهم عند الاستغناء عنه. ولا يقتصر الخطر على المستهلكين بل على العاملين في المصانع وهم أكثر الناس عرضة للمواد الكيميائية والمسرطنة و الإشعاعية أكثر من غيرهم .

ولا ننسى خطر التلوث الإلكتروني ومضاعفاته النفسية والجسدية الخفية والناتجة عن الإشعاعات المنبثقة من الأجهزة الإلكترونية مثل الاهتزازات النفسية والجسدية بالإضافة إلي الشكاوي النفسية وهناك أنواع للتلوث الناتجة عن الأجهزة الإلكترونية منها التلوث المعلوماتي والضوضائي.

-البحث عن حلول؟!

إن تراكم النفايات الإلكترونية وخاصة في الدول النامية ومنها عالمنا العربي هو تحد كبير يتوجب الاهتمام بنوعية الأجهزة التي تدخل الأسواق العربية ومدى جودتها وعمرها الافتراضي والمواد الداخلة في تصنيعها ومطالبة شركات التصنيع بإعادة تلك النفايات لتلك الشركات كونها الأقدر على إعادة تدويرها من أجل سلامة الإنسان وبيئته والعمل على تشجيع استيراد منتجات صديقة للبيئة ووضع خطط إستراتيجية لمواجهة التلوث والسبل المثلى لمواجهة جبال النفايات الإلكترونية 

إن وجود تقنيات حديثة وصديقة للبيئة سوف يعمل على الحفاظ على البيئة ومواردها والإنسان وصحته وفي المسار نفسه تستمر الحياة البشرية أكثر انسجاما مع البيئة ومحيطها وبالتالي فإننا نحتاج إلي وجود أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر رشدا تسمح بتطبيق هذه التقنيات الحديثة في المجتمع وجعلها في متناول اليد بعيدا عن مختلف التصنيفات.

 

 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي