نصَّت المادةُ الأولى من مشروعِ لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول عن أي فعلٍ غير مشروع دوليًا تقوم به دولةٌ ما يستتبع مسؤوليتها الدولية، وتنص المادة 91 من البروتوكول الأول لعام 1977 على أنْ " يُسأل طرف النزاع الذي ينتهك اتفاقيات القانون الدولي الإنساني والبروتوكول المُشار إليه، عن دفعِ التعويضِ إذا اقتضت الحال ذلك، ويكون مسؤولاً عن كافةِ الأعمالِ التي يقترفها الأشخاصُ الذين يشكلون جزءًا من قواته المُسلَّحة"، وتنص المادة 3 من اتفاقية لاهاى الرابعة لعام 1907 على أنه "يكون الطرف المُتحارب الذي يخل بأحكامِ اللائحةِ المذكورة مُلزمًا بالتعويضِ إذا دعت الحاجةُ، كما يكون مسؤولاً عن جميعِ الأعمال التي يرتكبها أشخاصٌ ينتمون إلى قوته المُسلَّحة".
ويُمكِن القول بأنَّ إلحاقَ بروتوكولين إضافيين عام 1977 باتفاقيات جنيف الأربع، عُدَّ بمثابة ضمانات جديدة وإضافية بخصوص حماية ضحايا الحربِ والنزاعاتِ المُسلَّحة، فقد تمت الدعوة إلى مُتابعة الجهودِ لتنقيح اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، بهدف توفير قدرٍ معقولٍ من الحمايةِ لضحايا النزاعات المُسلَّحة غير ذات الطابع الدولي، ولتوفير الحماية الكافية لضحايا حروب التحرير الوطنية التي تُناضل للحصولِ على الحقِ في تقرير المصير، وقد تُوِّجت هذه الجهود بإقرارِ بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1977، أُطلق عليهما "البروتوكولان الإضافيان" لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، إشارة إلى أنهما لا تلغيان اتفاقيات جنيف لعام 1949، وإنما قُصد منهما سد النقص الذي اعترى تلك الاتفاقيات وإعطاء، تفسيرٍ صحيحٍ للقواعدِ الواردة في تلك الاتفاقيات حيثما يتعذر تفسيرها، وقد وقعَ العدوانُ الإسرائيلي في إحدى صوره مُخالفًا لهذين البروتوكولين، كما مثَّل مُخالفةً صريحةً وواضحةً لاتفاقية منعِ جريمة إبادة الجنس والمُعاقبة عليها لعام 1948، وهذا ما استكشفناه من استخدامها لأسلحةٍ محظور استخدامها بكثافة وعشوائية قرب المناطق المدنية. ولم تخرج الأفعالُ الإسرائيليةُ عن نطاقِ الحظر الوارد باتفاقية لاهاى لعام 1954 الخاصة بحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المُسلَّح.
ومن الأهميةِ بمكان الإشارة إلى ما قرَّره بعضُ الباحثين من أنَّ مصادر القانون الدولي الإنساني الاتفاقية تتمثَّل في ثلاثة مصادر رئيسة هي: اتفاقياتُ جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان المُحلقان بها لعام 1977 ومن قبلها الاتفاقيات التي أسفرت عنها نتائج مؤتمر الصلح في لاهاى 1899 و1907، وكذا جهود مُنظَّمة الأمم المُتَّحدة لتأمين احترام حقوق الإنسان أثناء النزاعات المُسلَّحة، والحد من استخدامِ بعضِ الأسلحةِ ذات طابع الإبادة الجماعية، وهذا فضلاً عن قواعد أخرى كثيرة منها ما يتعلَّق بحمايةِ التراث الثقافي أو حظر استخدام أنواعٍ مُعيَّنة من الأسلحةِ، وكذا الخطوات التي اتخذتها الجماعةُ الدوليةُ في سبيلِ مُعاقبة مُرتكبي الانتهاكات الجسيمة لمبادئ وقيَّم الإنسانية السامية. ولعلَّ ذلك لا يمنع من القولِ بأنَّ الواقع أثبت أنَّ اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية هي التي أصبحت تُشكِّل الإطارَ القانوني الأساس للقانونِ الدولي الإنساني، حيث تضمنت تعدادًا واضحًا لمجموعة الأفعال التي اُعتبر إتيانها يُشكِّل جرائم حرب وفقًا لهذا القانون، وهو ما يعني أنَّ تطبيق هذا القانون يمتد لإضفاء صفة التجريم على المُمارسات التي تُشكِّل انتهاكًا لما سطرته اتفاقياتُ القانونِ الدولي الإنساني.
ولا أحد يُنكر أنَّ النظامَ القانوني للدولِ كشخصٍ من أشخاصِ القانون الدولي، يقوم في حال إخلال الدول بالتزاماتها الدولية الاتفاقية والعُرفية الذي تنجم عنه أضرارٌ أو مخاطر تلحق بالدولِ الأخرى، مما يخلق رابطةً قانونيةً بين الدولِ المُنتهكةِ لقواعد القانونِ الدولي والدولِ المُتضرِّرة، تلتزم الأولى بموجبها بإصلاح الضررِ أو التعويضِ وتُسمى هذه الرابطةُ بالمسؤوليةِ الدوليةِ.
وعلى أية حالٍ فإنَّ إعمالَّ الأحكام العامة للمسؤولية الدولية عن الأعمالِ غير المشروعة في الظروفِ العادية لا يُثير مشاكل قانونية، فقد استقر مبدأ المسؤولية الدولية بالنظرِ إلى وجودِ القواعد القانونية (الاتفاقية والعُرفية) والتطبيقات القضائية التي توضِّح وتضبط العديدَ من أحكامِ المسؤولية.
ومن المؤكد أنَّ نظامَ المسؤولية القانونية، يرتبط أساسًا بفكرةِ المُقابلة بين الحقوقِ والالتزامات، فكل حقٍ يُقابله واجبٌ أو التزامٌ، حيث يلتزم المُخاطب بأحكام القاعدة القانونية بمُمارسة حقه ضمن حدودٍ مُعينة، يترتَّب على تجاوزها مُساءلته قانونيًا، وتوقيع الجزاء المُقرَّر عليه بموجب هذه القواعد.
ولقد عرَّف جانبٌ من الفقهِ المسؤوليةَ الدوليةَ بأنها "النظامُ الذي يُنشئ الالتزام بالتعويض عن كل خرقٍ للقانونِ الدولي تقترفه دولةٌ مسؤولةٌ ويُسبِّب أضرارًا، ويروق للبعض تعريفها على أنها" نظامٌ قانوني يتقرر بمُقتضاه، التزام الدولة المُدعى عليها بإصلاح أو جبر الضررِ الذي يلحق بدولة أخرى، بصفتها كذلك، أو بأحد رعاياها من جراء قيامها بعملٍ أو امتناع غير مشروع وفقًا لأحكام وقواعد القانون الدولي، أو يُخرج عن المستوى الدولي المُعتاد للسلوكِ الذي ترسمه هذه الأحكام وتلك القواعد، وقد يفهم البعضُ من تعريفِ المسؤولية الدولية أنها تقتصر على المسؤوليةِ المدنيةِ وحدها دون المسؤوليةِ الجنائية.
غير أنَّ هناك اختلافًا عندما يخضع أطرافُ النزاعِ للقانونِ الدولي الإنساني، حيث تكون الدولةُ مسؤولةً عن الأعمالِ التي يرتكبها أشخاصٌ ينتمون إلى قواتها المُسلَّحة، مدنيًا وجنائيًا، وهذا ما تؤكده المادةُ 3 من اتفاقية لاهاي الرابعةِ لعام 1907 والتى تنصُّ على" يكون الطرفُ المُتحارب الذي يخلّ بأحكامِ اللائحة المذكورةِ مُلزمًا بالتعويضِ إذا دعت الحاجةُ، كما يكون مسؤولاً عن جميعِ الأعمالِ التي يرتكبها أشخاصٌ ينتمون إلى قواته المُسلَّحة"، فضلاً عن ذلك، تنصُّ المادةُ 91 من البروتوكول الأول لعام 1977 المُلحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على" يُسأل طرف النزاع الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول، عن دفعِ تعويضٍ إذا اقتضت الحال ذلك، ويكون مسؤولاً عن كافةِ الأعمالِ التي يقترفها الأشخاصُ الذين يشكلون جزءًا من قواته المُسلَّحة.
ومن الواضحِ أنَّ هذه المواد ، فرضت على الدولِ أطراف النزاع المُسلَّح - بالإضافةِ إلى المسؤولية التقليدية المُتمثِّلة في المسؤوليةِ المدنيةِ كالتعويضِ عن الأضرارِ- مسؤوليةً جنائيةً، فقرَّرت أنَّ "طرفَ النزاعِ يكون مسؤولاً عن كافةِ الأعمالِ التي يقترفها الأشخاصُ الذين سيشكلون جزءًا من قواته المُسلَّحة"، فجميعُ الأعمالِ التي يرتكبها أفرادُ القواتِ المُسلَّحة سواء كانت تُشكِّل جرائم حرب، أم مُخالفات عادية لقواعدِ القانونِ الدولي الإنساني، إنما تكون الدولةُ ذاتها – كشخصٍ اعتباري- مسؤولةً عنها أمام الطرفِ المُتضرِّر، وقد جاء النظامُ الأساس للمحكمةِ الجنائيةِ الدولية، الذي جرَّم كافة الانتهاكات الجسيمة لقواعدِ القانونِ الدولي الإنساني ، مؤيدًا لهذا الاتجاه، وهذا ما نستوضحه مما فرضته المادةُ 77 فقرة 4/أ و ب من البروتوكولِ الأول، عقوبات جنائية تُلائم طبيعة الدولِ كأشخاصٍ اعتبارية مثل عقوبةِ الغرامة والمُصادرة.
ومما هو جديرٌ بالذكرِ أنَّ تعريفَ المسؤوليةِ في نطاقِ القانون الدولي الإنساني، يشمل الجزاء المدني والجنائي الذي يُرتِّبه هذا القانونُ على انتهاكِ أحد أشخاصه، دول أو جماعات مُنشقة أو نظامية وحركات تحرير وطنية وأشخاص طبيعيين تابعين لهذه الهيئات الاعتبارية، لقواعد الحماية المُقرَّرة بموجبِ أحكامه للفئات المحميةِ وهي الأشخاص والأموال- يقع ضمنها البيئة بنوعيها المدنية والطبيعية- غير المُساهمة بصورة مُباشرة في العملِ العسكري.
إنَّ قواعد المسؤولية هي التي تضمن الالتزامَ بالقاعدةِ القانونيةِ من قبل المُخاطبين بها، بل إننا لا نُبالغ في القول حين نقول إن قواعد المسؤولية الدولية هي التي تُترجم الطابعَ الإلزامي لأحكام وقواعد القانون الدولي.
- صعوبة تحديد أركان المسئولية الدولية عن الأضرار البيئية:
وفيما يتعلَّق بالمسؤوليةِ عن الأضرارِ البيئية، بشكلٍ خاص، فإنها لم تستقر معالمُها بشكلٍ نهائي، ويرجع ذلك إلى طبيعة الأضرار البيئية وصعوبة تحديد أركان المسؤولية عنها، وذلك للأسباب التالية:
1- الأضرارُ البيئيةُ سواء تلك التي تلحق بالبيئةِ في أوقاتِ السلم أو النزاعات المُسلَّحة، لا تتحقق دفعة واحدة، بل تحتاج إلى فترةٍ من الوقتِ قد تصل إلى سنوات أو عقود، فالأضرارُ البيئيةُ الناجمةُ عن استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنوويَّة ومُبيدات الأعشاب المُستخدمة في الأغراضِ السلمية وقت السلم، لا تظهر آثارها السلبية على مكوناتِ البيئة الحيَّة دفعةً واحدةً فور وقوعِ الاعتداء، وإنما تمتد هذه الآثارُ لعدةِ أجيال مُتلاحقة.
2- تنجم عن الأضرارِ البيئيةِ في الغالب أضرارٌ غير مُباشرة، يصعب تحديد المسؤولية القانونية عنها، فالتلوثُ الإشعاعي الناجم عن الأسلحة النووية مثلاً، قد لا يؤثر على الإنسانِ أو الحيوان بشكلٍ مُباشر، وإنما قد ينجم عن تناول هذا الكائن الحي لمياه الأنهار المُلوثة بالإشعاعات، كما أنَّ ريّ الأرضِ الزراعية بمياه هذه الأنهار سيُلحق آثارًا سلبيةً بصحةِ الشعبِ الذي يعتمد على المنتجات الزراعية.
وفى خضم الاهتمامِ الدولي بالبيئةِ وإبرامِ العديدِ من الاتفاقيات وإصدار العديدِ من الإعلانات التي تُحرِّض على حماية البيئة، يمكن القول بأنَّ القانون الدولي الإنساني، لم يتطرَّق إلى هذا الموضوعِ بشكلٍ صريحٍ إلَّا في البروتوكول الأول لعام 1977 المُلحق باتفاقيات جنيف، خاصةً في المواد 35/3، 55 منه، ورغم إقرار هذا البروتوكول لقاعدة حماية البيئة، إلَّا أنه لم يُشر صراحةً إلى المسؤوليةِ القانونية عن الأضرارِ التي تلحق بالبيئةِ أثناء النزاعات المُسلَّحة نتيجة انتهاك هذه القاعدة، ومع ذلك فإننا نستطيع التأكيد على مبدأ مسؤولية أطراف النزاعِ المُسلَّحِ عن الأضرارِ التي تلحق بالبيئةِ المُحيطة بالعمليات العدائية، والذى أصبح مبدأ مقبولاً ومُستقرًا في القانونِ الدولي الإنساني، وإن لم ينص عليه صراحةً البروتوكول الأول، إلَّا أنه تضمَّن نصوصًا صريحةً تنطوي على حمايةِ البيئةِ أثناء النزاعات المُسلَّحة، وهو أمرٌ يستتبع- حتى بدون نص صريح- تحميل الدول المسؤولية عن الأضرارِ البيئيةِ الناجمةِ أثناء هذه النزاعات، ذلك أنَّ المسؤوليةَ عن الأضرارِ البيئيةِ قائمةٌ في حقِ الدول حتى قبل صدور البروتوكول الأول لعام 1977. فالدولُ منذ اتفاقيات لاهاي لعامي 1899، 1907 ، تُعتبر مُلزمةً بحمايةِ البيئةِ ومسؤولةً بالتالي عن الأضرارِ التي تلحق بها لتلازم قواعد المسؤولية مع قواعدِ الحماية.
ولقد أشارت المبادئ التوجيهيةُ الخاصةُ بحمايةِ البيئة في أوقاتِ النزاعِ المُسلَّح - الموضوعةُ من قِبل اللجنةِ الدوليةِ للصليبِ الأحمر بناءً على قرارِ الجمعيةِ العامةِ للأممِ المُتَّحدة رقم 49/50 لعام 1994 – إلى مبدأ المسؤولية عن الأضرارِ البيئيةِ الواقعة أثناء النزاعات المُسلَّحة في البند 20 بقولها:" في حالة حدوث انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني المُتعلِّقة بحمايةِ البيئة، تتخذ التدابير لوقف أي انتهاكٍ من هذا النوع ومنع حدوث مزيدٍ من الانتهاكات، ويُطلب من الضباط العسكريين أنْ يمنعوا حالات انتهاك هذه القواعد، وأنْ يقوموا عند الاقتضاء، بإبلاغ السُلطات المُختصة بها، وفي الحالات الخطيرة، يُقدَّم مرتكبو هذه الانتهاكات إلى العدالةِ.
ويُمـكن القول في هذا الصدد إنَّ النظام الأساس للمحكمةِ الجنائيةِ الدوليةِ - باعتباره قد جرَّم انتهاكات القانون الدولي الإنساني، واعتبرها من قبيل جرائم الحرب- يُمثِّل قمةَ التطورِ في تقرير مسؤولية الدول أطراف النزاعِ عن الأضرارِ البيئيةِ. فقد نصَّت المادةُ الثامنة من نظامِ المحكمةِ والخاصة بجرائم الحرب في فقرتها 2/ب/4 ، على أنه يُعتبر فعلاً مُشكِّلاً لجريمةِ حرب" تعمد هجوم مع العلم بأنَّ هذا الهجوم سيُسفر عن خسائر تبعية في الأرواحِ أو عن إصاباتٍ بين المدنيين أو عن إلحاقِ أضرارٍ مدنية أو إحداث ضررٍ واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية، ويكون إفراطه واضحًا بالقياسِ إلى مُجمل المكاسب العسكرية المُتوقعة الملموسة والمُباشرة "، وهو ما ينطبق على الفعلِ العدواني الغادر من جانبِ الجيشِ الإسرائيلي على لبنان عام 2006 والذى كانت تعلم الحكومةُ الإسرائيليةُ في تل أبيب نتائجه المُدمِّرة على نطاقٍ واسع ، فقد شملَ التدميرُ الأهدافَ المدنية قبل الأهدافِ العسكرية، ولم تفلت البيئةُ الطبيعيةُ اللبنانيةُ من القصفِ الإسرائيلي.
أهمية مبدأ المسؤولية الدولية عن الأضرارِ البيئيةِ:
ولا يخفى على أحد أن هناك أهمية لمبدأ المسؤولية الدولية عن الأضرارِ البيئيةِ في القانون الدولي البيئي والقانون الدولي الإنساني، ومن ثم يتعيَّن الوقوف على صورِ المسؤولية القانونية الناجمةِ عن الأضرارِ البيئيةِ.
فبالنسبة للقانونِ الدولي للبيئة ، ظلَّ الفقهُ –وحتى وقتٍ قريب- يقصُر مسؤولية الدولِ عن الأضرارِ البيئيةِ على الجانبِ المدني فقط، بمعنى أنَّ الدولَ التي تسبَّبت في الإضرارِ ببيئةِ الغير، تكون مُلتزمةً بتعويض هذا الغير عما أصابه من أضرارٍ أو إصلاحِ الضررِ البيئي- إذا كان ذلك مُمكنًا-، وإعادة الوضعِ إلى ما كان عليه أو الترضية.
تطورَ الأمرُ بعد ذلك تدريجيًا، وبدأ الفقهُ يتحه نحو إمكانية تقرير مسؤولية الدول الجنائية، عن الجرائم التي ترتكبها – بواسطة موظفيها أو مُمثِّليها- بحقِ البيئة، كأن تتعمد الدولةُ مُمارسة أنشطةً يترتب عليها تدمير البيئة وهدم نُظُمها الإيكولوجية المُختلفة، كالإغراق العمدي للمواد المُشعة في البيئةِ المائية للدول الأخرى، أو غمر المياه الدولية أو الإقلمية للدول المُجاورة بكميات من النفط الخام بصورة عمدية... .
وقد بدا هذا التحول واضحًا في مشروعِ مسؤولية الدول المُعد من قِبلِ لجنةِ القانون الدولي التابعة للأمم المُتَّحدة عام 1976، حيث المادة 19 من المشروع على أنه " .... مع عدم الإخلال بالفقرة السابقة، وبناءً على قواعد القانون الدولي المرعية الإجراء، يُمكن للجريمةِ الدولية أنَّ تنجم خصوصًا ....(د) عن انتهاك الدول الخطير لالتزام دولي ذي أهميةٍ جوهريةٍ لحمايةِ وصون البيئة البشرية، كالالتزامُ بتجريمِ التلويث الجسيم للجو والبحار".
أما بالنسبةِ للقانونِ الدولي الإنساني، فقد رأينا ، أنَّ المادة 3 من اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 والمادة 91 من البروتوكول الأول لعام 1977، قد قررتا مسؤولية الدول مدنيًا وجنائيًا عن الأعمالِ التي تُشكِّل مُخالفات أو جرائم حرب والتى يقترفها أفرادُ قواتها المُسلَّحة وعلى هذا النحو نكون أمام نوعين من المسؤولية تترتبان في كنفِ الدولة التي انتهكت قواعد حماية البيئة أثناء النزاعات المُسلَّحة، هما المسؤوليةُ المدنيةُ والمسؤوليةُ الجنائيةُ.
وعلى أية حالٍ، فإنَّ قواعد القانون الدولي الإنساني، تُجرِّم – ولو بصورةٍ ضمنية – انتهاك قواعد البيئة أثناء النزاعات المُسلَّحة، وتعتبر الاعتداء على البيئة المُترتب على مُخالفة قواعد حماية البيئة، يُشكِّل انتهاكًا جسيمًا لقواعدِ القانون الدولي الإنساني، أو جريمة حرب، كما هو الحال في المواد (49، 50، 129، 146) من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949على التوالي، والمادتين (53، 147) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والمادة 85 من البروتوكول الأول لعام 1977.