لاشك أن ظاهرة التغير المناخي أضحت أحد القضايا المطروحة دائما على الأجندة العالمية في ظل ما يمكن أن يترتب عليها من تغيرات خطيرة تهدد مستقبل الإنسان على كوكب الأرض خاصة في القارة الافريقية.
وقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة عن المنظمة الدولية للأرصاد الجوية إلى أن عام 2010 قد يصنف من بين الأعوام الثلاثة الأشد حرارة منذ بدء المجتمع البشرى، خاصة في أفريقيا ومناطق من آسيا، وأضافت المنظمة إلى أن معدلي درجات حرارة سطح الأرض والبحر زادتا عن معدلهما في الفترة ما بين عامي1961و1990 بمقدار نصف درجة مئوية، وأن درجات الحرارة ارتفعت بشكل قوي في كل من أفريقيا وأجزاء من آسيا وأوروبا.
وقد حذرت ذات الدراسة من ارتفاع في متوسط درجات الحرارة عالمياً بنحو أربع درجات مئوية بحلول عام 2060، أي بمقدار ضعف السقف الذي حددته 140 دولة بمعدل درجتين مئويتين في قمة الأمم المتحدة حول المناخ في كوبنهاجن عام 2009. ومن المحتمل، بحسب الدراسة، أن يؤدي هذا الارتفاع السريع إلى تهديد استقرار العالم من خلال تعطيل إمدادات الغذاء والماء في أجزاء كثيرة من العالم خاصة في أفريقيا.
§ تعريف التغيُّر المناخي:
تُعرِّف "اتفاقية الأمم المُتَّحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ" (UNFCCC) التغيُّر المناخي على أنه " تغيُّر في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري والذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض".
بمعنى أخر فأنَّ التغيُّر المناخي عبارة عن تغيرات في الخصائص المناخيَّة للكرة الأرضية نتيجة للزيادات الحالية في نسبة تركيز الغازات المتولدة عن عمليات الاحتراق في الغلاف الجوي، بسبب الأنشطة البشرية التي ترفع من حرارة الجو، ومن هذه الغازات: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكاسيد النيتروجين، والكلورو فلوروكربون، ومن أهم التغيُّرات المناخيَّة: ارتفاع حرارة الجو، واختلاف في كمية وأوقات سقوط الأمطار، وما يتبع ذلك من تغيُّر في الدورة المائية وعملياتها المُختلفة.
§ التداعيات الأمنية للتغيُّرات المناخيَّة في العالم خاصة أفريقيا:
يُشكل تغيُّر المناخ تهديدًا أمنياً لكافة البلدان، وخاصة أن مفهوم الأمن اتسع ليشمل الأمن الاقتصادي والبيئي والإنساني، ولم يعد قاصراً على مفهوم الأمن العسكري فقط هذا من جانب. ومن جانب آخر فليس بجديد القول بأن البلدان النامية هي الأكثر تعرضًا للمُعاناة من تغيُّر المناخ، إذ أنَّ التقديرات تُفيد بأنها ستتحمل حوالي 75-80 في المائة من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغيُّر المناخ.
وفيما يلي بيان لبعض التأثيرات التي تُحدثها التغيُّرات المناخيَّة:
1. الأمن العسكري:
كشفت دراسة حديثة نشرت في جامعة كولومبيا الأمريكية، عن أن هناك علاقة متبادلة بين التغيرات المناخية والحروب المدنية، مشيرة إلى أنه ثبت على سبيل المثال أن إعصار "النينو" تسبب في اندلاع العديد من الصراعات في مختلف دول العالم. وشملت الدراسة الفترة مابين عام 1950 وحتى عام 2004، وتم تحليل التغيرات المناخية التي طرأت على العالم في هذه الفترة والصراعات التي نشأت بسببها.
وقد أدت ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة في مياه على سطح المحيط الهادئ الشرقي والتي أدت إلى تغير المناخ الاستوائي الذي يؤدى إلى الجفاف ومزيد من الأعاصير، ومن هنا نشأت الصراعات في الدول الاستوائية خاصة في افريقيا لأن هذه الأعاصير تؤثر على الزراعة والاقتصاد.
2. الأمنُ الاقتصادي:
فالتغيرات المناخية من شأنها أن تؤثر على الأمن الاقتصادي وذلك من عدة وجوه فعلى سبيل المثال من شأن هذه المُتغيِّرات التأثير على الإنتاج الزراعي، حيث قد تقلُّص المساحة الصالحة للزراعة ومواسم الزراعة، كما أنَّ ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على نمو بعض المحاصيل التي تحتاج لدرجات حرارة أقل، كما أنَّ ارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة لارتفاع درجة حرارة العالم يؤدي إلى إغراق الأراضي الساحلية الزراعية، مما يُقلِّل من مساحات الأراضي الزراعية خاصة في أفريقيا.
3. الأمن الاجتماعي:
جاء في التقرير الصادر عن ائتلاف من وكالات البيئة والإغاثة أن ظاهرة الاحتباس الحراري تهدد بعدم إدراك أهداف التنمية الألفية التي اتفق عليها دوليا لتقليل نسبة الفقر في العالم إلى النصف بحلول عام 2015، ويقول التقرير إن الاحتباس الحراري يمكن أن "يعوق حتى تحقيق انجازات في التنمية البشرية".
وفضلاً عما سبق سيكون للتغير الحراري تأثيراً سلبياً على صحة البشر، وانتشار الكثير من الأمراض، حيث يتسبَّب ارتفاع درجة الحرارة في تنشيط الجراثيم، سواء كانت باكتيريا أو فيروس، كما أنَّ زيادة درجات الحرارة تؤدي إلى اتساع مدى بعض "الأمراض المنقولة بالحشرات أو الماء" مثل الملاريا، وسيؤدي تغيُّر المناخ أيضًا إلى حدوث تغيير متزايد في توزيع ناموس الملاريا وغيره من ناقل الأمراض المُعدية مما يؤثر على التوزيع الموسمي لبعض حبوب اللقاح المُسببة للحساسية، ويؤدي إلى زيادة مخاطر موجات السخونة.
وتعتبر بعض البلدان الإفريقية، من الأكثر الدول التي تنتشر فيها الأمراض الحساسة للمناخ، كما أن قدرتها على الاستجابة في مجال الصحة ضعيفة؛ ومن المتوقع أن يلحق تغيُّر المناخ آثارا سلبية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية بما يؤثر على البشر والحيوانات على حد سواء.
4. الأمن السياسي:
في المناطق التي تعاني عدم استقرار سياسي وتوتراً يمكن أن يشكل تغير المناخ عاملاً مضاعفاً للتهديد، بحيث يزيد مشكلة ندرة المياه تفاقماً وكذلك التوتر داخل البلد المعني من جهة، وبينه وبين البلدان التي تشاركه الموارد المائية والجغرافيا والحدود السياسية من جهة أخرى، على سبيل المثال من الممكن أن يزيد تغير المناخ التوتر ويعمق النزاع في افريقيا ، مع ما هو متوقع من تغير المناخ سيصبح أصعب سياسياً احترام ترتيبات الشراكة في الموارد المائية بين البلدان المعنية وتقاسم هذه الموارد أكثر صعوبة على الصعيد السياسية.
وإجمالاً فان قضية التغيُّرات المناخيَّة أصبحت من أشد القضايا خطورة على المستوي المحلي والدولي خاصة في القارة الافريقية لما لها من تداعيات تُشكل خطرًا يُحيط بمُستقبل الأجيال القادمة الذين لهم الحق في البقاء في بيئة نظيفة آمنة، وأنَّ التغيُّرات البيئية التي تتعرض لها الدول الافريقية هي قضية يتطلب التصدي لها تضافر الجهود والدولية والمحلية، حيث إنها تتجاوز الحدود الوطنية وتمتد إلي سائر أنحاء الأرض مُعرضةً الامن العالمي وجميع الكائنات الحية للخطر وفي مُقدمتها الإنسان.