تنمية الوعي السياسي

الكاتب : حنان أبوسكين الأحد 02 ديسمبر 2012 الساعة 12:25 مساءً

إن كلمة ‘وعى’ تدل على ذلك الانطباع المباشر الأوليى، إنه ذلك الإحساس الذى يخلو من التفكير، كما تدل كذلك كلمة-وعى- على المعرفة المباشرة. كما يتخذ هذا المفهوم دلالات أخرى، كأن يستعمل الوعي بمعنى الانتباه واليقظة فى مقابل الغيبوبة، أو الوعي بمعنى الانتباه فى مقابل الغفلة والغباء. أيضا يمكن أن يعنى الوعي الإدراك والانتباه إلى الأمور الخفية والتفكير الجدي المتعمق  في مقابل النظرة السطحية الساذجة. ويستعمل الوعي كذلك بمعنى المسؤولية والالتزام بقيم الجماعة فى مقابل التهور والاستهتار. وتأسيسا على هذا يتجلى الوعي الإنساني في صور شتى، تتباين بتباين المجال المدرك، أو موضوع الوعى ، حيث يعرف الإنسان أشكالاً متنوعة من الوعى، كالوعى الدينى والوعي العلمى والوعي السياسى، والوعى الأخلاقى.
والوعى السياسى هو أحد أبعاد الثقافة السياسية، ويشير إلى ما لدى الأفراد من معارف وأراء سياسية، ويتضمن المعرفة بالقضايا والقيادات والمؤسسات السياسية الموجودة بالدولة، والوعى بتأثير الحكومة وقراراتها على المواطن، والقدرة على تكوين أراء أو تصورات سياسية والاستعداد للتعبير عنها. كما يشار إلى الوعي بوصفه حالة ذهنية، تتمثل فى إدراك الإنسان للعالم، على نحو عقلي أو وجدانى، المجتمع لا يكون واعيا سياسيا بمجرد متابعة الأحداث السياسية فقط، وتحديد موقف من زعيم معين، أو اتجاه سياسى، بل الوعى الحقيقى هو الذى يتحول إلى سلوك ونمط حياة يمارسه الإنسان تلقائيا دون تفكير.
يتمثل الوعى السياسى فى عدة مفاهيم أنه هو إدراك الفرد لمجتمعه ومحيطه الإقليمى والدولى، ومعرفة طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تحيط به، وقدرته على وضع حلول ومعرفة مشكلات العصر المختلفة، ومن ثم القدرة على التغير، أيضا معرفة القوى الفاعلة والمؤثرة فى صنع القرار وطنيا وعالميا، ومن خلاله يمكن للفرد معرفة حقوقه وواجباته فى كل الأنظمة سواء الديمقراطية أو الشمولية. لذلك يحتاج الفرد إلى سياسة واعية، وشاملة للظروف والأزمات التى تجتاح المجتمع ليكون قادرا على التعرف على الظروف التى تحيط به محليا وعالميا.
 
 أهمية الوعى السياسى:
ترددت مقولة أن "الشعب جاهل لا يستحق الديمقراطية" مع اندلاع الثورات العربية فى مطلع عام 2011، وانقسم الرأى ما بين تيار يرى تبرير الاستبداد خوفاً من نتائج الثورات فى ضوء انخفاض الوعى وتفشى الأمية فى عدد من الدول العربية، وتيار آخر يرى الثورة هى طوق النجاة للتخلص من الاستبداد وحصول الشعوب على حريتها. إن الديمقراطية ليست مجرد حق الاختيار، وليست مجرد ورقه تلقيها في الصندوق مع كل انتخابات، فالديمقراطية هي الأساس الصحيح لأى دولة عادلة وحرة يمتلك شعبها أبسط حقوقه من العيش الكريم والحياة الكريمة والتعليم والصحة. الديمقراطيه هى التى تجعل كل مسئول في أى موقع في الدولة يعلم أنه جاء باختيار الشعب، ولذلك فهو يعمل عند الشعب، يلبى رغباته ويسهر على راحته ويعمل من أجلهم طوال الوقت، لا من أجل إرضاء الحاكم الأوحد أو النظام الحاكم، ومن ثم ليس هناك شعب لا يستحق الديمقراطية، فأي شعب يستحق الديمقراطية، حتى ولو كان هذا الشعب شعب جاهل لم يتعلم، مريض ولم يعالج، وفقير لا يملك قوت يومه، فهو إن لم يحصل على الديمقراطية اليوم وعلى حريته اليوم، فسيظل بقية حياته على نفس الحال دون أن يتغير و دون أن يتحسن، الديمقراطية والحرية هي جزء من آدمية المواطن. والوعي السياسى هو القاطرة التي تسحب خلفها كل أنواع الوعي الأخرى فمثل هذا الوعي يعني معرفة الحقوق والوجبات، مما يساهم فى خلق المواطن الصالح.
أسباب ضعف الوعي السياسي:
يرجع ضعف الوعى السياسي عادة إلى عدة أسباب منها:
    طبيعة النظام السياسي، إذ أن من أهم خصائص الأنظمة السلطوية تحديد قدرة الأفراد على التفكير السياسي وجعل هذا التفكير يدور ضمن خطط محددة تخدم هذه الأنظمة ويصب في استمرارها مما يؤدي إلى ابتعاد الأفراد بشكل عام عن التعمق بالثقافة السياسية كالدستور والحقوق والواجبات وصلاحيات السلطة وغيرها، لأن هذه كلها تعتبر من المحرمات في مثل هذه الأنظمة مما يسهم في ضعف الوعي السياسي للأفراد وتعميق حالة الاستغفال والتخلف.
    الفقر والبحث عن لقمة العيش لا يسمح للإنسان بأن يطالب بحقوقه السياسية التي تتيح له المشاركة في النشاطات السياسية بمختلف أوجهها. وأيضا سياسية التجويع هي إحد وسائل الأنظمة لإضعاف الوعي، وإحباط المجتمع ومنعه من محاسبتها، الأمر الذي قد يدفع إلى ما يطلق عليه بالثورة الشعبية وهي في الواقع اندفاع غير واعي للجماهير المقهورة طلبا للخلاص مما ينتج عنه انهيارا شاملا لمرتكزات المجتمع وبروز حالة جديدة لا تعرف نتائجها.
    الانقسام الفكرى إلى معسكرين فكريين متضادين، حيث ترتبط كل طائفة بالنوع الخاص من التفكير الذي ينسجم مع رأيه وفكرته دون النظر إلى نقاط الالتقاء والتفكير المشترك، فقد كانت المنطقة  العربية بمثابة ساحة للنزاع بين الأيدلوجيات المختلفة امتداداً من زمن الاستعمار وانتهاء بزمن الزعامات والأطراف السياسية التي تلت الاستعمار واحتكرت شرعية الثورة للسيطرة على المجتمعات. ومن مظاهر الانقسام ، صورة الصراع الحاد بين دعاة الحداثة والتحديث، ودعاة الأصالة والعودة إلى الجذور، ويكاد النقاش أن تشق المجتمع العربي إلى طريقين لا لقاء بينهما، بل يشق الوعي العربي على نفسه في صراع ذاتي دائم يمنعه من أية حركة ايجابية ويغلق عليه التغير.
    ضعف دور مؤسسات التنشئة السياسية مثل المدرسة، ووسائل الإعلام، والأحزاب السياسية. فمثلا الأحزاب لم تقم بذلك الدور الفاعل في توعية الجماهير توعية سياسية بحيث يكون ذات تأثير على صناع القرار والأوضاع السياسية.
تنمية الوعى السياسى:
بناء على المعوقات السابقة، يثور التساؤل الجوهرى كيف يمكن تنمية الوعي السياسي؟
يمكن تنمية الوعي السياسي من خلال عدة سياسات كما يلى:
    التدرج في توعية المجتمع وتعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم وترسيخ مفهوم المواطنة بشكله الحقيقي بعيدا عن التعصب المذهبي أو القبلي أو القومي وبعيدا عن ربط المواطنة بأشخاص أو أحزاب وجعلها وفق المفهوم الحقيقي المتمثل بالالتصاق بالوطن تاريخا وأرضا وشعبا وقيما.
    تنظيم علاقة المواطن بالدولة من خلال إيجاد قوانين عادلة تحقق المصلحة المشتركة للدولة والفرد.
    تعميق مبدأ الحوار في حل الخلافات السياسية بعيدا عن التطرف، لأن التطرف هو من سمات المجتمع البدائي وهذا من صلب واجب القوى السياسية المتواجدة على الساحة والتي يجب أن تعطي نموذجا صالحا للأفراد.
    إشاعة مفهوم الأغلبية والأقلية بشكله السليم، إذ أن ما هو شائع بتعريف الأغلبية والأقلية إنما هى إما مذهبية أو قومية وبالتالي تصبح أغلبية دائمة وأقلية دائمة، هو خطأ جسيم في تطبيق مفهوم الديمقراطية ،لأن مفهوم الأغلبية والأقلية هو مفهوم سياسي بحت يتبع المنهج الذي تتبناه مجموعة سياسية لإدارة الدولة وهو ليس عقيدة دينية أو مذهبية أو عرقية لأن هذه المفاهيم مفاهيم اجتماعية لذلك فإن الأغلبية هي مؤقتة ويمكن أن تكون أقلية في دورة انتخابية أخرى وبالعكس وذلك انطلاقا من طبيعة برامجها السياسية وقناعة المجتمع بها.
    توفير متطلبات العيش الكريم للمواطنين ، وتأمين حد الكفاف لهم ؛ لضمان حقوق المواطنة لهم ومن ثم قيامهم بواجباتهم تجاه الوطن.
الخلاصة أنه لن يكتمل تحول الأنظمة غير الديمقراطية إلى الديمقراطية من خلال إسقاط الأنظمة المستبدة فقط وإنما من خلال عملية بناء مستمر. يقع فى القلب منها بناء وعى سياسى قوى لدى المواطنين يستوعب مواطنتهم ويجنبهم الانزلاق فى النزاعات والانقسامات التة تنال من وحدة الدولة ومحاولة النهوض بها من عثراتها. 
 

 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي