التنمية السياسية في الصين

د. نادية حلمي: خبيرة في الشئون السياسية الصينية
الكاتب : د. نادية حلمي الأربعاء 07 نوفمبر 2012 الساعة 01:28 مساءً

    تعد التجربة التنموية السياسية في الصين واحدة من أكبر وأنجح التجارب التنموية في العالم، نظراً  للظروف الصعبة التي واجهت هذه التجربة، وفي مقدمتها كبر حجم السكان وقلة الموارد قياساً بالسكان، لذا فإن التعرف على أساسيات هذه التجربة يجعلنا نقف على الدرب السليم عند القيام بالتخطيط لأي عملية تنمية . 

 
   إن طريق التنمية السياسية السلمية في الصين يتمثل في جوهره في تحقيق التنمية الذاتية من خلال صيانة السلام العالمي من ناحية، والمساهمة في صيانة السلام العالمي من خلال تحقيق التنمية الذاتية من ناحية أخرى. إن الصين تعتمد في المقام الأول على قدرات نفسها وعملية الإصلاح والإبداع في تحقيق تنميتها المرجوة، وفي نفس الوقت، تتمسك الصين بالانفتاح على الخارج. فكان هدف الصين دوماً هو مشاركة دول العالم في الاستفادة من الفرص التنموية المتاحة والتضامن معها في مواجهة التحديات المطروحة، بما يدفع قضية السلام والتنمية السامية للبشرية جمعاء. 
 
    وتعد الدورة الـ 17 للمؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في عام 2007، من أهم الدورات المنعقدة في تاريخ الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، حيث لفتت أنظار العالم إلى أهمية موضوع التنمية السياسية والإصلاح السياسي في الصين، باعتباره مؤتمراً هاماً في المرحلة الحاسمة لعملية الإصلاح والتنمية في الصين، حيث تم زيادة توضيح الاتجاه والتخطيط التنموي في الصين، ألا وهو الالتزام بالإصلاح، وتوسيع الانفتاح على الخارج، ومواصلة بذل الجهود من أجل إنجاز بناء المجتمع الميسور على نحو شامل قبل عام 2020. في هذا المؤتمر، تم وضع الإستراتيجية التنموية في الصين، والتي يمكن تلخيصها في تحقيق التنمية العلمية والتناغمية والسلمية. كما أكد المؤتمر على أن الصين ستلتزم بعزيمة لا تتزعزع بطريق التنمية السلمية وإستراتيجية الانفتاح القائم على المنافع المتبادلة والفوز المشترك، وتعمل على المساهمة في بناء عالم متناغم ينعم بالسلام الدائم والازدهار المشترك. 
 
   إن تطوير السياسة الديمقراطية الاشتراكية كان هدف الحزب الشيوعي الصيني دائماً. فمنذ عام 1979، أعلن الحزب الشيوعي الصيني عن سياسة للإصلاح الشامل، تضمنت إصلاحات سياسية متناغمة على مدار العقود الثلاثة الماضية. وبالطبع، فإن السياسة الديمقراطية الاشتراكية لم تتوقف عن عملية التطوير والتحسين المستمر، ولا يمكن أن تحقق ثقافة السياسة الاشتراكية النجاح والتقدم بين عشية وضحاها، فإذا نظرنا إلى السياسة الديمقراطية الاشتراكية الصينية، ومقارنتها مع تنمية المجتمع الاقتصادي الصيني، والحفاظ على العدالة الاجتماعية ومتطلبات العدالة الجديدة، لا يزال هناك عيوب وغير كافية، ولا تزال هناك الحاجة إلى التحسين والإصلاح.
 
   أشار "دينج شياوبينج" في ثمانينيات القرن الماضي إلى أن "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" هي اشتراكية تهدف إلى تطوير القوة الإنتاجية على الصعيد الداخلي، وتدعم السلام على الصعيد الخارجي. كما أعلن الرئيس الصيني الحالي "هو جينتاو" أن الصين تعارض نزعة الهيمنة وسياسة القوة بكل أشكالها، ولن تمارس أبداً الهيمنة أو التوسع. إن الصين تتبنى إستراتيجية الانفتاح القائم على المنافع المتبادلة والفوز المشترك، فلن تفعل أي شيء لمصلحتها على حساب مصلحة غيرها، ولن ترمي ما لا يحلو لنفسها على عاتق الدول الأخرى على حد قول هو جينتاو. 
 
   منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل أكثر من 60 عاماً، وخاصة بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من 30 عاماً، ظلت الصين تسعى إلى إيجاد طريق التحديث الاشتراكي الذي يتناسب مع ظروفها الوطنية ومتطلبات العصر. وبالرغم من الصعوبات الجمة، بذل الشعب الصيني جهوداً لا تعرف الكلل والملل بعزم وإصرار لمواكبة العصر واستخلاص دروس نفسه والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تحقيق التنمية، ومواصلة تعميق الفهم لقوانين التطور الاجتماعي البشري، بما يدفع التحسن الذاتي والتنمية للنظام الاشتراكي باستمرار. وبهذا العمل الشاق، وجدت الصين طريقاً تنموياً يتمشى مع ظروفها الوطنية، واسمه طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. 
وفي هذا السياق، يمكن تلخيص طريق التنمية السياسية في الصين من منظور تاريخي أوسع على مستوى العالم، في النقاط التالية: يجب على الصين تطوير نفسها من خلال الحفاظ على السلام في العالم، والمساهمة في حماية السلام في العالم بتطورها؛ ويجب عليها الالتزام بالانفتاح على الخارج والاستفادة من تجارب الدول الأخرى تزامناً مع تأكيد الاعتماد على نفسها والإصلاح والابتكار لتحقيق التنمية؛ ويجب عليها السير مع تيار عصر العولمة الاقتصادية والعمل على تحقيق التنمية المشتركة مع الدول الأخرى على أساس المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، ويجب عليها بذل جهود مشتركة مع المجتمع الدولي من أجل بناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والازدهار المشترك. وإن ما يميز هذا الطريق هو التنمية العلمية والمستقلة والمنفتحة والسلمية والتعاونية والمشتركة.
 
    تعلمت الصين من تجاربها السابقة أنها لا تستطيع تطوير نفسها وراء باب مغلق. وتتخذ الصين الإصلاح والانفتاح كسياسة أساسية في النهوض بنفسها، وتقوم بالإصلاح الداخلي والانفتاح على الخارج في آن واحد، وتحرص على الالتزام بكل من الاستقلال والمشاركة في العولمة الاقتصادية بل والسياسية، وتعمل الصين كذلك على الاستفادة من التقاليد الصينية الأصيلة وجميع الإنجازات للحضارات الأخرى. كما تسعى إلى دمج السوق المحلي مع الأسواق الدولية واستخدام كل الموارد المحلية والخارجية واتخاذ موقف منفتح لدمج الصين مع بقية العالم، إضافة إلى توسيع وتعميق إستراتيجية الانفتاح، وتعزيز التواصل والتعاون مع بلدان العالم لبناء نظام اقتصادي منفتح يضمن تفاعلاً أفضل مع الاقتصاد العالمي ويتميز بأمنه وكفاءته على أساس المنفعة المتبادلة والفوز المشترك. ولم تغلق الصين في الوقت ذاته باب الانفتاح السياسي على العالم، بل استفادت منه أيضاً وبشدة لتطوير نفسها والنهوض ببلادها. 
 
   وأخيراً، ينبغي علينا التأكيد على أن تجربة التنمية السياسية في الصين لا يجب أن تتبنى، بشكل أعمى، الممارسات ذات الطابع الغربي، مثل تعدد الأحزاب التي تتولى السلطة بالتناوب والفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. بل يجب أن يجري بشكل سلمي ويتم بشكل تدريجي. لأن الصين دولة كبيرة عدد سكانها حوالي 1.3 مليار نسمة. كما يجب أن ننطلق من الواقع وننسق بين الإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية، والظروف التاريخية ومستوى التعليم والثقافة الصينية. كما لا يمكن أن يبتعد الإصلاح السياسي والتنمية السياسية عن الحقيقة، ولا نحتاج إلى شعارات فارغة في المرحلة الحالية. كما أن للشعب الصيني الثقة الكاملة والقدرة على بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في مجتمع قوي وديمقراطية متحضرة ومتناغمة.
 

عدد التعليقات 0

     
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل الرقم التالي